في قلب منطقة السـهوب بولاية الجلفة

الزعفران.. ســيـاحـة وسـباق في الــصـحـراء وشفاء بــين الــكـثبـان

موسى دباب

المـنــطــقــة أصبحت مقصدا للوفود الـسياحية المحلية الأجنبية

بلدية الزعفران، إحدى بلديات ولاية الجلفة، تمثل نقطة تلاق بين جمال الطبيعة وكرم أهلها. عند دخولك هذه المنطقة، يستقبلك مشهد الرمال الذهبية التي تزين الكثبان المرتفعة، لتأخذك في رحلة من السكون والجمال الطبيعي. رمال الزعفران ليست مجرد وجهة سياحية للاستمتاع بالمناظر الخلابة، بل هي أيضا منطقة تحمل فوائد صحية فريدة. ففي كل زاوية من البلدة، تجد الزوار مستلقين على الرمال الحارة، يستفيدون من حرارة الأرض التي تساهم في علاج العديد من الأمراض. حيث تعتبر الزعفران، التي لا يعرفها الكثيرون إلا من خلال الصور أو القصص، وجهة مثالية للباحثين عن الشفاء ولعشاق رياضة الرالي الذين يختارونها لاختبار مهاراتهم في منافسات مثيرة بين الكثبان الرملية.

تقع بلدية الزعفران في قلب منطقة السهوب، بولاية الجلفة، وتعد واحدة من الوجهات السياحية المميزة داخل الولاية وخارجها، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 15 ألف نسمة. تمت ترقيتها بلدية بموجب التقسيم الإداري لسنة 1984، وتتميز المنطقة بكثبانها الرملية التي تمتد على مسافة 4 كلم في الجنوب الغربي من مقر البلدية. وتغطي المنطقة مساحة تقدر بحوالي 50 هكتارا مربعا، وتحتوي على منبع ماء طبيعي عذب يعرف باسم “عين المقطع”.
وفي هذا السياق، شهد قطاع السياحة في ولاية الجلفة تطورا ملحوظا، مستفيدا من المقومات الطبيعية التي تزخر بها المنطقة.
وبحسب ما أشار إليه مدير السياحة والصناعة التقليدية لولاية الجلفة، تاوتي علي، في حديثه لـ “ الشعب أن “ أبرز هذه المقومات هو شريط الكثبان الرملية الذي يمتد على حوالي 40 كلم من الشرق إلى الغرب، ويعبر بلديات الزعفران غربا، حاسي بحبح في الوسط، وحاسي العش شرقا”.
وتماشيا مع جهود الترويج للمقومات السياحية الوطنية، يقول تاوتي، “أصبحت منطقة الزعفران جزءا من المسارات السياحية المبرمجة ضمن البوابة الرقمية “ألجيريان تور”. هنا، لا تقتصر التجربة على استكشاف الكثبان الرملية فحسب، بل تمتد لتشمل رحلة تمتد ليومين وليلة، تجمع بين سحر الرمال الذهبية في الزعفران، والتكوينات الجيولوجية الفريدة لجبل حجر الملح في عين معبد، وصولا إلى ينابيع حمام الشارف الدافئة -ويتابع - وقد شهد هذا المسار توافدا كبيرا من السياح من داخل الولاية وخارجها، وذلك من خلال تنظيم بعض الجولات السياحية من قبل الوكالات الناشطة على مستوى الولاية. كما تم استضافة وفود سياحية للتعريف بالمقومات السياحية التي تتمتع بها ولاية الجلفة.
ويرى مسؤول قطاع السياحة بالولاية، أن منطقة الزعفران، بما تمتلكه من كثبان رملية ساحرة، تمثل أحد المقومات السياحية الفريدة التي تستحق الاهتمام والحفاظ عليها لصالح الأجيال القادمة. فهذه المساحات الطبيعية لا تقتصر على كونها مشهدا جماليا، بل أصبحت مقصدا للوفود السياحية المحلية والوطنية وحتى الأجنبية، الباحثة عن الاستجمام بين رمالها الذهبية والاستمتاع بسحر الصحراء.

مخيّم الشباب .. تجربة لاكتشاف الصحراء المصغرة

وفي تجربة وصفها المشاركون بالاكتشاف المذهل، شكل مخيم الشباب في منطقة الزعفران فرصة لاختبار سحر الصحراء المصغرة في قلب الجلفة. شيبوط نعيمي، أحد منظمي المخيم، يرى أن اختيار هذا الموقع لم يكن عشوائيا، بل كان بحثا عن مكان يجمع بين الجمال الطبيعي والتجربة السياحية الفريدة التي تمنح الزوار فرصة معايشة تفاصيل الصحراء عن قرب.
ويضيف أن الهدف من هذه المبادرة لم يكن مجرد التخييم، بل التعريف بالسياحة المحلية، واتاحة الفرصة للشباب لاكتشاف الإمكانيات الطبيعية للمنطقة، مع تعزيز الوعي بأهمية السياحة البيئية.

التداوي بالرمال .. مقصد للباحثين عن الشفاء

إلى جانب رياضة الرالي التي تجذب محبي المغامرات في صحراء الزعفران، هناك تقليد آخر قديم استمر حتى اليوم، وهو التداوي بالرمال. فكما يستمتع المتسابقون بتحدّيات الرمال، يجد المرضى في نفس المكان علاجا طبيعيا يعتمد على حرارة الرمال وفوائدها الصحّية العميقة.
وتحدث أحد المرضى عن كيفية إجراء التداوي، حيث يبدأ المريض بحفر حفرة في الرمال في حدود الساعة العاشرة صباحا، حتى لا تتسلل إليها الحشرات الضارة. وعند الساعة الواحدة ظهرا، ومع ارتفاع درجة الحرارة، يصلي المريض ركعتين ثم يستلقي في الرمال، حيث يغطى جسده بالكامل في بعض الأحيان أو يغطي نصفه بحسب طاقته وقدرته على تحمل الحرارة. هذه العملية، التي تدمج بين العلاج بالحرارة والتأمل الروحي، أصبحت جزءا من الثقافة المحلية التي تعزز التداوي بالطبيعة.
ويشرح الناشط الجمعوي، زياني بوعزة، طريقة العلاج بأنه يتطلب التحضير الصحيح. حيث يبدأ المريض بالمشي لمدة عشر دقائق على الرمال لإعداد الجسم للحرارة. ثم يغطى بالرمال باستخدام الطريقة التقليدية، حيث يتم ردمه جزئيا في حفرة خاصة بحيث يبقى جزء من جسمه عاريا ليتلامس مع الرمال الساخنة. يبقى المريض في هذا الوضع لمدة تتراوح بين 10 إلى 15 دقيقة، بحسب تحمله للحرارة.
بعد ذلك، يلف المريض ببطانية ليتعرق، ما يساعد على التخلص من السموم وتجديد النشاط. ثم يتوجه إلى مخيمه ليكمل يومه، وعادة ما يشعر بتحسن ملحوظ في صحته، وكأن جسده قد استعاد قوته وحيويته. هذه الطريقة، التي تجمع بين الإيمان بالعلاج الطبيعي وقوة التراث، تعتبر جزءا من الحياة اليومية في الزعفران.
من جهته قويدري بلقاسم، رئيس جمعية “إشراق” السياحية، أن هذه المنطقة المتواجدة في بلدية الزعفران مرّت بعدة مراحل من حيث تسميتها، حيث كانت تعرف في البداية باسم “كراع البطمة”، ثم “العنصر”، وأخيرا أصبحت تعرف حديثا باسم “المقطع”.
وتحدث قويدري عن نشاط جمعيته السياحية “ اشراق”، التي تأسست في عام 2014، والتي كانت تنشط بشكل محدود في البداية. على الرغم من عدم تلقي الجمعية أي دعم مادي، إلا أنها - يقول- تمكنت من تعزيز حضورها من خلال إطلاق صفحة على الفيسبوك باسم المنطقة، مما ساعد في زيادة شهرتها بين المهتمين بالسياحة. كما ساهم ملتقى وطني حول الشباب، الذي نظم في المنطقة تحت شعار “ملتقى ثقافي”، في تعريف الجمهور أكثر على هذه الوجهة المميزة. ويرى أن المنطقة يمكن أن تتحوّل إلى قطب سياحي متميز في المستقبل، خاصة إذا تم تطوير البنية التحتية، مثل بناء الفنادق والمرافق السياحية.

سياحة وفلاحة في تناغم مع الطبيعة

ولا تقتصر جاذبية منطقة الزعفران على مغامرات الرالي أو العلاجات الطبيعية فحسب، بل هي أيضا نقطة تلاقي بين السياحة والفلاحة. إذ يعتبر الموقع وجهة مميزة للزوار الذين يتطلعون لاكتشاف مزيج فريد من الطبيعة والأنشطة التي تجمع بين الاسترخاء والإثارة.
ويؤكد قويدري أن “منطقة الزعفران تتمتع أيضا بثروات غابية وحيوانية تعتبر رصيدا مهما للمنطقة. حيث تمتاز بغابات متنوعة من أشجار الصنوبر والماليستوس، التي تساهم في تنقية الهواء وتحقيق توازن بيئي. ومنذ الثمانينات، تم زرع نباتات الطرفة وشجرة الترك في محيطات غابية، مما جعل المنطقة تتحوّل إلى مساحات خضراء ضخمة، تعكس مدى التزام المنطقة بالحفاظ على التنوّع البيئي”.
ولفت إلى أن المنطقة تعسى إلى تطوير القطاع الفلاحي من خلال استفادتها من عدد من المشاريع. فقد قامت المحافظة السامية لتطوير السهوب بزراعة الأشجار العلفية في مناطق واسعة، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في دعم الموالين الذين يقومون بكراء هذه الأراضي لزراعة الأعلاف. كما أن هذه المبادرات لا تساهم فقط في تنمية القطاع الفلاحي، بل أيضا في تحسين مستوى معيشة الفلاحين المحليين، مما يحقق توازنا بين النشاط السياحي والزراعي”.
ويضيف قويدري أن الزراعة تعد ركيزة أساسية للنشاط الاقتصادي في منطقة الزعفران، حيث تحظى بدعم الدولة في مجال زراعة الزيتون. حيث قال ان “الفلاحين في المنطقة حققوا تقدما ملحوظا في هذا المجال، إذ تم تحويل أكثر من 100 هكتار من الأراضي إلى مزارع زيتون، التي بدأت في مرحلة الإنتاج. ويتم نقل الزيتون إلى معصرة الزيتون في حاسي بحبح، ما يعكس تطوّر هذه الزراعة في المنطقة. إلى جانب الزيتون، يساهم الفلاحون أيضا في زراعة الخضروات والأشجار المثمرة التي تضيف تنوّعا اقتصاديا”.
ويشدّد قويدري على أن الزعفران تجمع بين مقوّمات فلاحية وسياحية وغابية متميزة، مما يجعلها وجهة فريدة تجمع بين الجمال الطبيعي والأنشطة الاقتصادية المتنوّعة. هذا التكامل بين القطاعات يساهم في تعزيز جاذبية المنطقة كمقصد سياحي وزراعي في ذات الوقت. مشيرا إلى أنه على بعد حوالي 10 كيلومترات من المنطقة الرئيسية، تقع منطقة “ختالة”، التي تشتهر بتربية الإبل وتضم سبخة ملح واسعة تضاف إلى جمال المناظر الطبيعية. كما تزداد الأنشطة الاقتصادية في الزعفران بفضل الاستثمار الكبير في قطاع تربية الدواجن، حيث يتم تصدير منتجات الدواجن إلى مختلف المناطق. ما يعكس أهمية الزعفران كمنطقة اقتصادية مزدهرة، تسهم بشكل كبير في الاقتصاد المحلي إلى جانب مقوّماتها السياحية المميزة.

منطقة المقطع .. رمال ذهبية ومياه عذبة

وبحسب رئيس جمعية “اشراق” السياحية، تتميز منطقة المقطع بتضاريسها الفريدة، حيث تكسوها الكثبان الرملية التي تمنحها منظرا صحراويا رائعا، بالإضافة إلى وجود مياه عذبة سطحية كانت تتدفق على سطح الأرض. في الماضي، ويتذكر أن المنطقة كانت تضم بحيرة كبيرة، ولكن نتيجة للجفاف الذي أصابها والزوابع الرملية المتكررة، اختفى المنبع الوحيد للمياه، مما أثر بشكل كبير على المشهد الطبيعي. ورغم هذه التحديات البيئية، تبقى المنطقة مليئة بالإمكانات السياحية التي يسعى المهتمون بالشأن السياحي إلى إبرازها، يقول المتحدث.

مشاريع تنموية لفائدة سكان البلدية

ووفقا لما ذكره زياني بوعزة، ناشط جمعوي فإن بلدية الزعفران، استفادت من عدة مشاريع تنموية تم تنفيذها ضمن البرنامج التكميلي، مما أسهم في تحسين البنية التحتية وتطوير الخدمات في المنطقة.
وفي هذا السياق، يقول بوعزة أن من بين أبرز المشاريع التي تم إنجازها، كان مركز التكوين المهني والمسبح التابع لقطاع الشباب والرياضة. كما تم إنجاز مقطع من الطريق الوطني الفرعي (أ.1) على مسافة 20 كلم نحو الإدريسية وأفلو، مما سهل الوصول إلى المناطق المجاورة.
كما تم تنفيذ مشروع قناة لنقل مياه الشرب من منطقة “طريفية” إلى الزعفران على مسافة 18 كلم، مما ساهم في تعزيز شبكة المياه في المنطقة.
وفيما يخص السكن، فذكر في تصريح لـ “ الشعب” أن البلدية استفادت من 50 سكنا اجتماعيا و400 سكن ريفي، بالإضافة إلى مشروع بئر ارتوازي مجهز في منطقة ضاية البخور، إلى جانب توفير الإنارة العمومية في المنطقة.
وفي إطار تحسين الخدمات الصحية، تم إنشاء قاعة علاج بلدية الزعفران، كما تم تنفيذ مسلك ريفي “تيف” على مسافة 7 كيلومترات من طريق الشارف مرورا ببئر تربة إلى زاوية الغيشة. كما استفادت المناطق الريفية والفلاحية، من توفير الكهرباء، مما ساعد في تحسين ظروف المعيشة اليومية لسكان هذه المناطق.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19705

العدد 19705

الخميس 20 فيفري 2025
العدد 19704

العدد 19704

الأربعاء 19 فيفري 2025
العدد 19703

العدد 19703

الثلاثاء 18 فيفري 2025
العدد 19702

العدد 19702

الإثنين 17 فيفري 2025