تُعتبر المناطق الريفية العمق الاستراتيجي لأيّ اقتصادٍ في العالم؛ لأنّها تضطلع تلقائيا بتوفير الاكتفاء الذاتي في المحاصيل الزراعية والحيوانية، وقد دعّمت الجزائر هذا المسار وعملت منذ استقلالها على تطوير وترقية أريافها على نطاق واسع جدّا، خاصّة في مجال شقّ الطرق والمسالك الريفية والفلاحية والغابية، وقامت بفكّ عزلة كافة بواديها البعيدة التي ينشط أغلب ساكِنتها في الزراعة وتربية المواشي والدواجن والصناعات الحرفية التقليدية.
استطاعت الجزائر بفضل سياساتها الرشيدة، تحقيق توازن تنموي وعدالة اجتماعية في أوساط المجتمع الجزائري بين ساكنة الريف والحضر، ونجحت في القضاء على مشكل النزوح الريفي نتيجة توفير كلّ مقوّمات العيش الكريم وبلا فوارق حياتية بين المدينة والقرية، حيث تعزّز هذا التوجّه أكثر بعد وصول رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبّون إلى سدّة الحكم، الذي أطلق برنامجا ضخما لفائدة مناطق الظلّ والنواحي النائية قيمته فاقت 2.5 مليار دولار.
وقد ساهمت الاستراتيجيات التنموية التي انتهجتها الدولة في تعزيز مكانة الريف الجزائري، وجعلته حلقة أساسية في الدورة الاقتصادية الوطنية، باعتباره طاقة بشرية إنتاجية مستدامة لا تتوقف ولا تنضب مقدراتها، تنشط حسب طبيعة وخصوصية كلّ منطقة بين زراعية ورعوية وحتى سياحية.
وللحفاظ على استقرار المواطنين في أريافهم وبواديهم، ركّزت الجزائر في السنوات الأخيرة على تنمية هذا الفضاء الإنتاجي الحيوي، عبر وضع سياسات تنموية واجتماعية بطابع استعجالي تلبّي بشكل مباشر حاجيات ومتطلّبات البقاء للساكنة مثل توصيل كافة القرى والتجمّعات السكنية الصغيرة المعزولة في كلّ شبر من هذا الوطن بشبكات الغاز الطبيعي والكهرباء والصرف الصحي ومياه الشرب والنقل والتغطية بشبكة الهاتف المحمول والإنترنت وإتاحة خدمات الألياف البصرية وفتح الطرقات والمسالك الفلاحية وغيرها من المشاريع التنموية الحياتية.
وكان لمشاريع شقّ الطرقات الريفية والفلاحية بالتحديد، أثر مباشر على استقرار المواطنين في ربوعهم، وتطوير عمرانها وبناها التحتية الأساسية، إذ لم تثن الجبال والتلال والهضاب والرمال المتراكمة على امتداد آلاف الكيلومترات من هذا البلد القارة من عزم الدولة في فكّ عزلة القرى والمداشر والمشاتي، لاسيما منها الحدودية شرقا وغربا وجنوبا، حتى بات العيش فيها كريما لا يختلف كثيرا عما وهو موجود في الحضر.
وبغية تعزيز جهود التنمية المحلية وضمان استدامتها تماشيا مع التوسّع العمراني والنمو الديمغرافي في الريف، أنشأت الدولة صندوق التضامن والضمان للجماعات المحلية التابع لوزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، بغرض توفير مرود مالي مؤسّسي لتمويل مشاريع الأرياف، والاستجابة السريعة لمختلف انشغالات فعّاليات المجتمع المدني التنموية المطروحة على السلطات المحلية.
كما لعب هذا الصندوق العمومي دورا هاما جدّا في تمويل الجماعات المحلية الإقليمية، من خلال إتاحة أغلفة وتخصيصات مالية لها، وساهم في إنجاز آلاف المشاريع التنموية النوعية في كلّ بلديات الوطن المعنية بالتجمّعات الريفية والنائية على غرار إنجاز وصيانة الطرقات الداخلية والفرعية.
وقد رصد ذات الصندوق خلال السنوات الأخيرة، مبالغ مالية ضخمة وُجّهت لمختلف البرامج التنموية، شملت شقّ آلاف الطرقات الريفية والمسالك الفلاحية والغابية والجبلية، ممّا أدّى إلى فكّ عزلة تجمّعات ومناطق سكنية كثيرة كائنة في النواحي النائية، ووصل كامل القرى عبر التراب الوطني بشبكة الطرق الرئيسية والمدن القريبة منها، ممّا سهّل التنقلات وأنعش الحركة التنموية والتجارية والفلاحية والرعوية المحلية، ورغّب السّاكنة في الاستقرار الاجتماعي بأريافهم وبواديهم.
وتأتي تلك المنجزات التنموية الريفية الخاصّة بصندوق التضامن والضمان للجماعات المحلية، بالتوازي مع جهود جبارة في المجال لمصالح وزارة الأشغال العمومية، التي ساهمت في تطوير بنية شبكة الطرقات الريفية الداخلية، وساعد دورها المحوري في فكّ عزلة الأرياف وتسهيل تنقلات المواطنين عبر فضائها الواسع والفسيح.
جدير بالذكر، أنّ رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبّون، منح لمناطق الظلّ والريف أهمية قصوى في برامجه ومخططاته التنموية، بهدف الرّقي بحياة ومعيشة القاطنين، وتشجيع الاستقرار الاجتماعي للمواطنين، الذين باتوا قادرين على ممارسة أنشطة إنتاجية واستثمارية واعدة في شتى المجالات والقطاعات، ممّا سيساهم في دعم وتيرة نمو الاقتصاد الوطني وتعضيد وتنويع مصادر دخله خارج المحروقات.