نظرا لأهمية الماء كمادة أساسية تتوقّف عليها كل مظاهر الحياة، ونظرا لحالة التناقض وصعوبة التحكم في التسيير العادل بين مختلف المناطق وإعادة توجيه وبناء ثقافة استهلاكية مبنية على عقلانية الاستعمال لتجنّب عملية التبذير، كان من الضروري إشراك جميع المتدخلين والفاعلين في المجتمع لتجسيد هذه الإستراتيجية في الميدان، وهي التوجهات التي شرعت في انتهاجها وزارة الموارد المائية بالتنسيق مع وزارة الشؤون الدينية من خلال إشراك الأئمة في التحسيس والتوعية بأهمية الحفاظ على المورد وتجنب التبذير.
عملا بمبدأ الاحتياط واتخاذ كافة الأسباب الموضوعية لحسن استغلال الموارد المائية وتجّنب كل مظاهر التبذير تجنبا لأزمة العطش التي شهدتها ولاية بومرداس الصائة الماضية على غرار باقي ولايات الوطن، شاركت مديرية الموارد المائية بمعية ممثلين عن مديرية الشؤون الدينية ووحدة الجزائرية للمياه في فعاليات الحملة الوطنية لترشيد استهلاك الماء الذي نظمه مركز التكوين التابع لوحدة سيال بالعاصمة بحضور أئمة المساجد لولايات بومرداس، البليدة وتيبازة.
اللقاء الذي حمل شعار «الأئمة، همزة وصل للاقتصاد المائي» جاء بهدف إشراك الإمام في توعية المواطنين وغرس فيهم روح المسؤولية الجماعية ومحاربة كل أشكال التبذير للحفاظ على هذا المورد الهام وتنمية ثقافة اقتصاد الماء وهذا عبر خطب المسجد نظرا لما يتمتّع به هذا الأخير من احترام وقدرة على إيصال الرسالة بلغة تخاطب القلب والضمير معا.
كما جاء اللقاء الإعلامي والتحسيسي من باب أخذ الحيطة وكل التدابير الكفيلة بالاستغلال الأمثل لكميات الأمطار المعتبرة التي شهدتها مختلف ولايات الوطن عن طريق توسيع أنظمة التخزين وعدم هدم هدر هذا المورد، خاصة في ظلّ تقلص طاقة استيعاب السدود التي تراجع بسبب مشكل الصيانة وظاهرة الطمي، إلى جانب تأخر انجاز باقي المشاريع الطموحة التي استفاد منها قطاع الموارد المائية ببولاية بومرداس المقدرة بأكثر من 85 مشروعا للحفاظ على الثروة المائية وتجنب تكرار الأزمة الماضية
90 ألف متر مكعب تهدر يوميا
إلى جانب غياب الثقافة الاستهلاكية وعدم القدرة على ضبط عملية التوزيع وقلة البدائل في شبكة توزيع مياه الشرب عبر كافة بلديات ولاية بومرداس التي تعاني هذه الأيام من أزمة التموين نتيجة تعطل محطة تحلية مياه البحر لرأس جنات التي أدخلت 13 بلدية في ندرة خانقة، يواجه قطاع الموارد المائية مشاكل أخرى تتعلق باهتراء قنوات التوصيل التي يعود أغلبها إلى سنوات خلت، الأمر الذي زاد من ظاهرة النقاط السوداء وتسربات المياه التي وصلت رقما كبيرا تعدى 90 ألف متر مكعب يوميا حسب إحصائيات قدمها وزير القطاع سابقا خلال زيارته التفقدية للولاية.
لكن ما يثير الاهتمام كذلك في هذه المعادلة المتناقضة هو ضعف التحكم في التسيير العقلاني للمورد المائي بولاية بومرداس التي تملك قدرات احتياطية وإنتاجية كبيرة سطحية وجوفية تتراوح ما بين 230 إلى 260 ألف متر مكعب يوميا أي حوالي 95 مليون متر مكعب سنويا، وحجم الطلب اليومي على هذه المادة الحيوية الذي لا يتعدى 160 ألف متر مكعب وفق إحصائيات قطاع الموارد المائية، مقابل استمرار أزمة مياه الشرب التي يعاني منها المواطن رغم استفادة المنطقة من برنامج استعجالي لتهيئة وإنجاز 66 بئرا لدعم وتنويع مصادر التموين الحالية التي تعتمد على نظام سدّ تقصبت ومحطة تحلية مياه البحر لرأس جنات وبعض الآبار التقليدية التي تضخّ لبلديات ومناطق جبلية نائية انطلاقا من واد سيباو.
كما تبقى عدة تحديات أخرى مطروحة أمام القطاع لربح معركة المياه وضمان نجاح السياسة الاستراشفية مستقبلا لا تتوقف عند حملات التوعية والتحسيس التي تعتبر مهمة ومكملة لكل المجهودات المبذولة، لكنها بحسب المتابعين غير كافية في ظل حالة الاهتراء التي تعاني من الشبكة الرئيسية والقنوات الناقلة التي تتطلب مشروع متكامل للتجديد والصيانة، ناهيك عن تنامي ظاهرة الربط العشوائي وسقي المحاصيل الزراعية من قبل الفلاحين التي عجزت أمامها كل التدابير الرقابية والردعية لاقتصاد الماء والتحكم في تسييره بأنظمة عصرية.