الحـل يكمــن في تطبيـــق القــوانين علــى أرض الواقـــع
بعضهم التحقوا بمؤسسات ويشتغلون في مناصب مريحة، والآخر لازال يعاني مرارة وضعية صعبة نتيجة البطالة القسرية بعد غلق المؤسسة الوطنية لإدماج المعاقين «أوبيح» المتخصصة في صناعة المكانس والفرش التي كانت تشغل ثلاثة آلاف عامل مكفوف عبر واحد وثلاثين وحدة متواجدة عبر الوطن منذ سنة 1963 إلى غاية إغلاق أبوابها عام 2009، وتسريح جميع عمالها الذين وجدوا أنفسهم آنذاك يواجهون مصيرا مجهولا.
«الشعب» رصدت وضعية هذه الفئة في هذا الاستطلاع الميداني.
أصبحنا نعاني من شظف العيش بسبب البطالة المفروضة
من بين هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم في بطالة مفروضة عليهم، السيد بلقاضي حسان الذي يتجاوز الخمسين من عمره والذي قضى 16 سنة في المؤسسة، فأخبرنا عن وضعيته الحالية قائلا: «لم أظن أبدا أنه سوف يأتي وقت أجد فيه نفسي في الشارع بعد العمر الطويل الذي عملت فيه بالمؤسسة، ومنذ ذلك الوقت إلى غاية اليوم لم أستطع إعالة أسرتي المتكونة من ثلاثة أفراد، ولا يمكنني حتى شراء أبسط الحاجيات الضرورية خاصة في ظلّ غلاء المعيشة، وأصبحت أقاسي من شظف العيش لولا تبرعات المحسنين وذوي القلوب الرحيمة التي وجدت فيها ما يسدّ جوع عائلتي.
وأضاف بلقاضي قائلا: «أشعر بحزن شديد جراء هذه الوضعية لأنني اشتغلت كل هذه المدة ولم أستفد من التقاعد على غرار العديد من زملائي الآخرين، وقمنا بتنظيم عدة احتجاجات لدى السلطات المعنية في سنوات 2002 و 2004 و2006 و2008، كما رفعنا لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة رسائل احتجاج علها تجد الصدى الكافي لاسترجاع حقنا في العمل ولازلنا ننتظر لحد الساعة خبرا سارا يخلصنا من محنتنا ....
وآخر خطوة قام بها هؤلاء حسب السيد بلقاضي حسان اتصالهم بوزيرة التضامن مونية مسلم، حيث وعدتهم بإضافة سنوات العمل التي لم تحتسب لمسارهم المهني بهدف إدراجها في التقاعد إلا أنه وعلى حدّ قوله، لحد الساعة لم تظهر أية مؤشرات ايجابية لتسوية وضعيتهم المهنية.
وختم بلقاضي حديثه قائلا: «عوض أن تولي الدولة اهتماما أكبر لفئة المكفوفين الذين برهنوا طيلة 46 سنة من العمل في المؤسسة العمومية لإدماج المعاقين إتقانهم صناعة المكانس والفرش كافأتنا بغلقها.
ورغم كل شيء أبدى السيد بلقاضي تفاؤله قائلا: «الفرصة لازالت سانحة أمامنا باعتبارنا أعضاء في الجمعية الوطنية لتدعيم وترقية المعاقين بصريا التي لازالت تناضل في الميدان لحد الساعة من أجل القضاء على كل هذه المشاكل التي يعاني منها المكفوفين في بلادنا وإيجاد حلولا لها بشكل نهائي ..
معاناة بلقاضي حسان لا تقل عن معاناة توفيق عيسات، اشتغل هو الآخر في نفس المؤسسة المتخصصة في صناعة المكانس والفرش ليجد نفسه فجأة دون مورد رزق يضمن له ولعائلته لقمة عيش كريمة. وفي هذا الصدد صرّح توفيق عيسات لـ»الشعب» قائلا: «تسريحنا الجماعي من العمل
وغلق المؤسسة تسبّب لي في صدمة نفسية قوية، حيث أُصبت بحالة اكتئاب شديدة، لم أشف منها إلا بعد فترة علاج دامت طويلا، وهو ما مكنني من التخلص من حالة اليأس ومواصلة مشوار الحياة، بممارسة نشاط آخر للحصول على المال لقضاء حاجيات عائلتي، واهتديت الى بيع السجائر على رصيف يقع بجسر قسنطينة والقريب من مقر سكناي، وأضاف قائلا: «بيع السجائر كان يدر عليّ المال الكثير الا انه كان يعد اختيار صعب بالنسبة اليّ لأنني كنت متيقن انني أتاجر بسموم تضر بالصحة ....وبقي ضميري يؤنبني الى ان اقترحت عليّ زوجتي أن تصنع لي خبز البيت «المطلوع» مكنني من الحصول على مداخيل أغنتني عن سؤال الناس الى غاية أن وظفت في منصب بمستشفى بارني بالعاصمة بناء على طلب أودعته منذ سنوات ....
هدفنا إعادة فتح المؤسسة
تلعب الجمعية الوطنية لتدعيم وترقية المعوقين بصريا دورا رئيسيا في نقل انشغالات وتطلعات هذه الفئة من المجتمع لدى السلطات المعنية وفي هذا الصدد، كشف السيد بوعاصم عبد القادر نائب رئيس الجمعية مكلف بالقضايا الاجتماعية بأنهم ولحد الساعة لايزالون يقومون بخطوات لإعادة فتح المؤسسة الوطنية لإدماج المعاقين بصريا بنقل انشغالات وتطلعات هذه الفئة من المجتمع لدى السلطات المعنية وفي هذا الصدد، كشف السيد بوعاصم عبد القادر نائب رئيس الجمعية مكلف بالقضايا الاجتماعية انهم ولحد الساعة لايزالون يقومون بمساع لإعادة فتح المؤسسة مؤكدا في سياق حديثه أن المئات من أرباب العائلات احيلوا على البطالة دون الحصول على حقوقهم لأن عدد قليل منهم فقط من بلغ سنّ التقاعد عند غلق المؤسسة مذكرا بأن قيمة منحة التقاعد انذاك قدرت بعشرين ألف دينار جزائري.
وأضاف السيد بوعاصم قائلا: ان الحل لا يكمن في غلق المؤسسة وانما في إصلاحها وإمدادها بأسلوب عمل يتماشى وقواعد السوق حاليا، مشيرا الى ان المؤسسة كان لها زبائن أوفياء، ويمكنها مواصلة نشاطها وفق معطيات السوق الجديدة ....وواصل قائلا: نسعى حاليا من أجل تحقيق هذا الهدف.
قانون يبقى حبرا على ورق
واجهت الشريحة صعوبات كبيرة في الحصول على مناصب عمل، حيث لايزالون يعانون التهميش واللامبالاة فيما يخص الشغل، وأكد السيد بوعاصم في هذا الشأن أن أغلب المكفوفين دخلهم الوحيد هو منحة ضئيلة بقيمة أربعة آلاف دينار جزائري شهريا، لا تسمح لهم بالعيش لبضعة أيام ما يجبر العديد منهم الى ممارسة التسول لتلبية حاجياتهم.
وأضاف السيد بوعاصم قائلا: الحل يتمثل في تطبيق القانون رقم 02 ـ 09 المؤرخ في الثامن ماي 2002، المتعلق بترقية وحماية ذوي الاحتياجات الخاصة في مادته رقم 27 والتي تلزم كل رب عمل تخصيص نسبة 1% من مناصب العمل للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة موضحا ذلك بقوله: «لو أن كل مؤسسة عامة أو خاصة شغلت لديها مكفوفا لأصبحت المعاناة أقل وطأة ...
يذكر أن الجمعية الوطنية لتدعيم و ترقية المعاقين بصريا ومنذ تأسيسها وهي تناضل من أجل تحقيق هذه المطالب، وهي تجمع حوالي 8000 منخرط، أكبر عدد من المكفوفين يتمركز في ولايات الجنوب ويليها المدن الكبرى كالعاصمة، وهران، عنابة وقسنطينة، حيث يفضل ذوي الاحتياجات الخاصة الإقامة فيها لتوفر الظروف الملائمة.