حضور 14 رئيس دولة وحكومة ووفود من 132 بلد شقيق وصديق
سابقة تاريخية في لمّ شمل الأفارقة وعقود بـ48.3 مليار دولار
نبع الحرص على نجاح الطبعة الرابعة من معرض التجارة البينية الإفريقية، من رغبة ملحة ومباشرة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي أشرف في مناسبتين على متابعة التحضيرات الخاصة باستضافة ضيوف الجزائر ووجه بتسخير كافة الإمكانات.
لم يتوقف رئيس الجمهورية لدى مخاطبته المشاركين في المعرض، عند التجارة الإفريقية فحسب، بل عرج على الأهداف الشاملة للقارة، وبالأخص عندما تحدث عن التخلص من المظالم التاريخية التي جعلتها أكبر ضحايا العالم، سواء نظامه الحالي أو تغيراته المناخية أو استمرار أجندات الهيمنة الإمبريالية.
بالنسبة للرئيس تبون، لا يمكن لإفريقيا؛ قارة الشباب والثروات الطبيعية، أن تظل في مؤخرة الاقتصادات الدولية، ولا يجب أن تستمر في تسجيل النسب الأضعف في حقوق التصويت بمؤسسات بروتون وودز وفي حصص التجارة البينية وفي معدلات النمو وفي تدفق الاستثمار.
كانت هذه الرسائل، تحديدا صريحا وواضحا لما ينبغي أن تكون عليه إفريقيا بمناطقها الجغرافية الخمس، مجددا في الوقت ذاته التزام الجزائر بمدّ كافة مشاريع التكامل الجواري مع دول الساحل الإفريقي وفي غرب إفريقيا وتمكينهم من الولوج إلى البحر الأبيض المتوسط عبر الطرق السريعة وعبر خطوط السكة الحديدية المتطورة التي تجعل مدة وصول السلع من موانئ الجزائر إلى هذه البلدان لا تتجاوز 24 ساعة.
رؤية رئيس الجمهورية في هذا المعرض، قامت على تقليص المسافات بين البلدان الإفريقية، وأيضا الفجوات المسجلة فيما بينها على صعيد التكامل والتنمية، حتى تصل إلى مكانة دولية تعكس قدراتها الاقتصادية الحقيقية وتترجم قوتها البشرية القائمة على أغلبية من الشباب.
هذه المكانة هي التي سوف تعزز مشاركة القارة في صناعة القرار، ضمن علاقات دولية متشابكة ومتجهة نحو مزيد الاستقطاب والتوتر، خاصة وأن للافارقة مبادئ راسخة في مناهضة الاستعمار بمختلف أشكاله، ولديهم مواقفهم الراسخة في مساندة ودعم القضايا العادلة، وعلى رأسها القضيتان الفلسطينية والصحراوية.
وقد تطرق رئيس الجمهورية، في مراسم حفل الافتتاح الرسمي لمعرض التجارة البينية، إلى جرائم الاحتلال الصهيوني في غزة، مجددا التأكيد بأن ما يجري هناك هو «حرب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية».
عوامل النجاح
كرست الجزائر المكانة المحورية للتجارة البينية الإفريقية، كرافعة لبلوغ أهداف القارة في التموقع عالميا، وبناء مستقبل مشترك يلبي طموحات الشعوب التي عانت من مختلف أصناف الاستعمار والاستغلال والأزمات. وقدمت رؤية شاملة عن سبل تحقيق الحلم الإفريقي، تبدأ بالإيمان الراسخ بمبدإ «إفريقيا للأفارقة».
مع نهاية المعرض التجاري البيني، فضلت بعض الوفود الإفريقية القيام بزيارات ميدانية لشركات إنتاجية جزائرية، وإلى معالم سياحية وحضارية، حيث حلّ فريق إعلامي بجامع الجزائر، وصعد أعلى المنارة الشامخة، ومن هذا الموقع الذي يتيح رؤية أفق الجزائر، الذي يربط القارة الإفريقية والأوروبية وتمر أمامه أهم الطرق البحرية بين آسيا وأوروبا وصولا إلى الأطلسي.
هذه هي مكانة الجزائر في الجغرافية الاقتصادية لإفريقيا، والتي شكلت أحد عوامل نجاح معرض التجارة الإفريقي البيني المنعقد بين 4 و10 سبتمبر الجاري، وتشكل عوامل نهضة إفريقيا ككل بإخراج دول إفريقية عديدة من شريط الساحل ومن غرب القارة من موقع الحبيس.
هذه الأبعاد كانت الميزة الأساسية للطبعة الرابعة للمعرض، وساهمت إلى حد بعيد بتكريسه كمناسبة تجارية كبرى تأخذ طريقها نحو النشاط الدوري بمعدل كل سنتين، على أساس تقاليد ومعايير قارية.
ويرجع ذلك إلى الاهتمام البالغ الذي أولته الجزائر للمعرض والأهداف المرجوة منه، حيث حضر الافتتاح 14 رئيس دولة وحكومة و6 ممثلين لدولهم، مبرزة المكانة الاستراتيجية لهذه المنصة التجارية.
على الصعيد التنظيمي، ورغم أن الجهات المبادرة بتنظيم المعرض هي الاتحاد الإفريق والبنك الإفريقي للتصدير والاستيراد وأمانة «زليكاف»، إلا أن الجزائر أخذت مهمة إنجاح التظاهرة على عاتقها.
وإلى جانب ما وضعته من بنى تحتيّة رائدة وملائمة للعارضين، استقبلت الجزائر المعرض بجاهزية اقتصادية عالية، حيث سمحت سنوات التأهيل الاقتصادي للشركات الوطنية العمومية والخاصة نحو الإنتاج والتصدير، بإعطاء زخم أكبر لمجريات المعرض.
كما سمحت باستقطاب عارضين ومشاركين من خارج دول القارة الإفريقية، وتجاوُز كل الأرقام المتوقعة، حيث بلغت قيمة الاتفاقيات والعقود المبرمة 48.3 مليار دولار، تجاوزت حصة الجزائر منها 11.4 مليار دولار، أما التزامات التصدير التي سوف تستكمل لاحقا فتناهز 11.6 مليار دولار.
هذه الأرقام التي تجاوزت الأهداف المسطرة للمعرض، تقدم مؤشرات مرحلية عن منحى الاقتصاد الوطني الجزائري والاقتصاد الافريقي بشكل عام، خاصة ما تعلق بالجانب الصناعي، الذي يعد القاعدة الأساسية لترسيخ التجارة البينية الحقيقية.
في هذا الجانب، تتصدر الجزائر عدة قطاعات الإنتاج قاريا، على غرار صناعة الحديد والصلب، الأسمنت، الصناعة الكهرومنزلية والمنتجات الفلاحة. وقد شرعت في السنوات الأخيرة، في وضع شبكات للنقل البحري والجوي مع البلدان الإفريقية وخلقت مناطق للتبادل التجاري الحر مع دول الجوار.
جاهزية الجزائر اقتصاديا وفنيا لتجسيد التبادل التجاري بين الدول الإفريقية، وحرصها على دعم قضايا القارة، مثلت كلمة السر في نجاح المعرض، وتكريسه كتظاهرة تجارية بتقاليد طموحة للغاية.
هذه المؤشرات التي قدمتها الجزائر، التقطتها بسرعة الدول الإفريقية المشاركة، وسارعت إلى ترسيمها في شكل زخم تجاري واقتصادي سوف يتطور من سنة إلى أخرى.