يسعــى إليه المصابون بأمراض المفاصل

التعراق..حمــام التّـداوي بالرّمال السّاخنــة

محمد أمين سعيدي

  مع ارتفاع درجة الحرارة بالمناطق الصحراوية الجنوبية، وارتفاع شدتها في كثبان الرمال، يفضّل العديد من المواطنين خاصة سكان الجنوب المصابين ببعض الأمراض كآلام المفاصل والروماتيزم التوجه إلى هذه المناطق من أجل العلاج بهذه الرمال المحترقة بما يعرف بالحمامات الرملية، أو التعراق، أو التداوي بالرمال، او الطب البديل..أسماء متعددة والهدف واحد..العلاج بالدفن في الرمال.

 العلاج بالحمامات الرملية أو التعراق طريقة استعملها العرب منذ القدم في مجال العلاج الطبيعي، حيث كشفت الأبحاث العلمية أن العلاج بالرمال الساخنة الموجودة في الصحراء خلال فصل الصيف تعتبر أحد أهم أنواع العلاج الطبيعي، البيئي أو الطب البديل، فالمناطق الصحراوية بالعرق الكبير بالجنوب الجزائري كمناطق تاغيت ببشار، بني عباس، تيميمون، أدرار، المنيعة، ووادي سوف وغيرها من المناطق الجنوبية تعرف إقبالا كبيرا للتداوي بهذه الحمامات اليابسة أو الرملية من بعض الأمراض، خاصة في الفترة التي تشتد فيها حرارة الشمس المحرقة من نهاية شهر جوان إلى بداية شهر سبتمبر، وخاصة شهري جويلية وأوت من كل سنة.
العلاج بالحمامات الرملية تبدأ بتحديد منطقة رملية نظيفة لم يسبق استخدامها من قبل، ومعرّضة للشمس لوقت طويل، بعيدة عن الأشجار والأحجار أو كل مكان به ظل، صافية نقية من أي بكتيريا، أو فطريات، أو غيرها، بعيدة عن أماكن التي تعرف تواجد البشر أو الحيوانات، حتى تكون مشبّعة بحرارة الشمس، وبعد اختيار المكان يتم حفر حفرة تلائم حجم المريض المراد علاجه، ينزع كامل ثيابه ماعدا الملابس الداخلية منها كي يستفيد جسمه من حرارة هذه الرمال، فيستلقي المريض في هذه الحفرة على ظهره ويتم تغطية كامل جسمه بالرمال، عدا الرأس أو الوجه، تكون كمية الرمال الموضوعة على جسمه متوسطة لا هي قليلة جدا حتى تسقط ولا كبيرة أو حمل ثقيل على قلبه وقدرته على التنفس الطبيعي، أي رمال تفي بغرض العلاج، ويوضع على رأسه مظلة أو خيمة صغيرة، أو  غطاء من القماش على شكل جدار يحمي وجهه من أشعة الشمس.
تستغرق مدة الردم هذه ما بين 5 دقائق إلى 22 دقيقة كحد أقصى حسب طاقة تحمله، وحفاظا على قلبه، يشرف عليه رجل أو أكثر مختصون في العلاج الرملي، أو أحد أفراد عائلته يكون ملما بهذا العلاج، يفضل البعض خاصة المختصون في العلاج بالرمال منح المريض مشروب أعشاب طبية تساعده على العلاج، أو فاكهة الدلاع تكون ملائمة أي غير باردة، وكذلك مياه الشرب يجب أن تكون معتدلة، ومع الانتهاء من مدة العلاج يتم إخراج المريض من هذه الحفرة وتغطيته في الحال وهو جالس حتى لا يتعرض لإصابته بتيار هوائي بارد ينعكس سلبا على صحته، وكل ما قام به ليدخل مباشرة إلى خيمة أو زريبة أو مكان به ظل مهيئ خصيصا لذلك، فيتم تغطيته أي وضع غطاء غليظ عليه لفترة من الزمن حوالي ساعة على الأقل.

إرشـــادات ضروريــة

 خلال فترة العلاج هذه على المريض اتباع جملة من الإرشادات، أهمها عدم التعرض لتيارات هوائية مباشرة، الابتعاد عن أجهزة التكييف، وتفادي شرب المشروبات الغازية، عدم الأكل قبل وبعد الأكل بحوالي ساعة على الأقل، والتقليل من أكل المواد التي بها نسبة عالية من الدسم، ممارسة المشي على الرمال الساخنة حافي القدمين لمدة ساعة يوميا، حيث يرى البعض أن المشي على الرمل حافي القدمين ضروري لتفريغ الشحنات السلبية والموجات الكهرومغناطيسية التي يتعرض لها الإنسان نتيجة تعامله مع الوسائل التكنولوجية الحديثة، وقد تطور الأمر للمعالجة بالرمال والطين في عمليات التجميل وشد البشرة، والتخلص من الترهلات، وهناك زيوت ومواد مشعة تستخرج منهما تمنح البشرة الجمال والحيوية، وتعالج أمراضها وتمنع ترهلها.

الرّمـــل..عـلاج قديم

 العلاج بالحمامات الرملية أو التعراق أو الدفن في الرمال الساخنة، أو التداوي بالرمال، أو الرمل الاستشفائي وهو الاسم العلمي لهذه الطريقة La Sablothérapie، علاج علمي كان متبعا في العصور القديمة، وطريقة استعملها العرب في مجال العلاج الطبيعي أثبتت الأبحاث العلمية أنّ الرمال الموجودة في الصحراء تعتبر كأحد أهم أنواع العلاج البيئي، أو الطب البديل، وعرف رواجا كبيرا في الوقت الراهن حيث تعد هذه الحمامات بمثابة علاج الجسد والروح في آن واحد، إذ أنها تساعد على علاج متاعب الظهر والمفاصل من جهة، وتزيل الضغط العصبي والتوتر من جهة أخرى، ويتمتع المرء بالصحة والعافية، وينعم بالهدوء والاسترخاء. وقد قام مختصون في الطب على المستوى العالمي خاصة ألمانيا بالبحث عن خصائص هذا العلاج، ومدى فاعليته من خلال بحوث أكاديمية أثبتت أن العلاج بالرمال أو الحمامات الرملية تعد أحد الأشكال الفعالة للمعالجة الحرارية، ففي هذه الطريقة تعمل طبقة من الرمال الساخنة مع أشعة الشمس الهادئة على استرخاء الجسم، وتخلصه من الضغط والتوتر العصبي، وهو ما يؤدي إلى ارتخاء العضلات والتخفيف من حدة الألم.

«التعـراق» عــلاج ناجـع!

 يستخدم العلاج بالحمامات الرمل لعلاج الكثير من الأمراض حسب رواد هذه الحمامات والمشرفين عليها، حيث يؤكد أحد الشيوخ بمنطقة تاغيت بولاية بشار أن الردم في الرمال الساخنة ينشط الدورة الدموية، يعالج أمراض الروماتيزم، آلام الظهر والمفاصل، قصور الشرايين، السمنة الزائدة، الأمراض الجلدية كالصدفية والبهاق، ارتخاء العضلات، عرق النسا وآلام الأعصاب والعضلات، الجهاز الهضمي وأمراض أخرى كثيرة لا تعد وتحصى، فقط على الإنسان تحمل تلك الحرارة في البداية وبعدها يتأقلم جسمه تماما مع الوضع، ففي الحمامات الحموية يضيف الشيخ في البداية يجد المريض صعوبة في الدخول إلى الماء الساخن، ولكن بمجرد دخول جسمه كاملا يتأقلم مع الماء، نفس الشيء بالنسبة للحمامات الرملية.

تحذير طبي من مضاعفات «التعراق»

 الطب البديل المتمثل في العلاج بالحمامات الرملية وبالرغم من انتشاره بالمناطق الصحراوية الجزائرية بما يعرف بموسم الردم في الرمال، إلا أن  بعض الأطباء وأهل الاختصاص يحذرون منه، وطالبوا بضرورة مرافقة مرتادي هذه الطريقة العلاجية بفرق طبية أو شبه طبية لتحسيس الحالات التي تحتاج العلاج بطريقة الحمامات الرملية، ومتابعة المرضى في حالة حدوث مضاعفات لهم، فيما منع بعض الأطباء الأشخاص الذين يعانون من بعض الأمراض سيما المزمنة (القلب والضغط الشرياني وأمراض الربو، سرعة النزيف، الفشل الكلوي، القرح) من متابعة هذا النوع من العلاج، وذلك لخطورة تلك الحرارة على صحتهم، وبالتالي وجب على السلطات المحلية التي تنتشر بها هذه الظاهرة أي ظاهرة الحمامات الرملية بضرورة مرافقتها بفرق طبية وشبه طبية لحماية هؤلاء المرضى من جهة، ولتشجيع السياحة الداخلية من جهة أخرى، لأن الحمامات الرملية نوع من السياحة الداخلية، والصحراء الجزائرية زاخرة بمواقعها السياحية يمكن استغلالها لاستقطاب هؤلاء المرضى للعلاج بهذه الطريقة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19858

العدد 19858

الإثنين 25 أوث 2025
العدد 19857

العدد 19857

الأحد 24 أوث 2025
العدد 19856

العدد 19856

السبت 23 أوث 2025
العدد 19855

العدد 19855

الخميس 21 أوث 2025