دعم أسعار السميد والفرينة شجّع على امتهان صناعته

«المطلـــــوع» التّقليدي ينافس منتوج المخابز العصرية

فايزة بلعريبي

 

لا تستثنى صناعة الخبز من الإبداع والتجديد ككل الأطباق، حيث تعدت مهامها من سد لرمق الجوع إلى مجال للتنافس والتطوير، لتصبح أحد الفنون التي تسعى كل سيدة وربة بيت الحصول على مرتبة الجدارة بها. فمن ذلك الخبز الذي كان يجمع أفراد العائلة حول فنجان القهوة أو مائدة الغذاء إلى أنواع لا تحصى من خبز السميد المرصع بحبات الجلجلان، وآخر يحمل بين منعرجاته المنحوتة بأنامل مبدعة، حبات زيتون تحدت ملوحتها ذوق الحليب والزبدة، الذي انضم إلى قائمة المقادير لصنع البريوش العادي أو المحشي بأنواع الكريمات.

الأصناف متعددة والتنافس بينها لم يحبط يوما من معنويات «المطلوع» الذي لم يستغن عن أصالته، وبقي دوما عنوانا لجود العائلة الجزائرية، مجبرا الخبازين على تقليص إنتاجهم من مادة الخبز، فعلى مائدة الإفطار فرص «البولونجي» تبقى ضئيلة أمام «المطلوع».
تتسابق سيدات البيوت حول إرضاء عائلاتهن من خلال محاولتهن الدائمة لكسر الروتين الغذائي، وذلك باللجوء إلى التنوع والتجديد الذي غالبا ما يرقى إلى مرتبة التفنن. قاعدة لا تستثني مادة الخبز ولا يمكن أن تسلبها لقب «سيد المائدة « الذي تتقاسمه مناصفة مع طبق الشربة الأصيل. فبحلول شهر رمضان تهرع سيدات البيوت إلى المطبخ، أحد أركان البيت «المقدسة»، خلال شهر رمضان ومصدر لإنتاج أشهى الأطباق، بما فيها الخبز بشتى أنواعه، مما جعل إنتاج المخابز يتراجع تلقائيا خلال شهر رمضان ككل سنة 50 %، حسب ما أدلى به العديد من الخبازين، الذين تواصلت معهم «الشعب»، حيث أجمعوا أن المخابز خلال الشهر الفضيل، تستعمل حوالي 4 قناطير/ اليوم من مادة الفرينة، بعد أن كانت تستعمل ما يقارب 8 قناطير من الفرينة في اليوم. وحول تساؤل «الشعب» عن السبب، كانت الإجابة موحدة، حيث أن الأمر يعود إلى التغير في النمط الاستهلاكي الذي تفرضه عادات المجتمع الجزائري وطقوس مائدة الإفطار الرمضانية، وما تحتويه من وجبات «قارة» نجحت في منافسة قطعة الخبز كالبوراك، وقطع البيتزا الصغيرة، التي أبى المطبخ الايطالي إلا أن يترك بصمته عن طريقها.
وقد اشتدت وتيرة المنافسة بين الخبز التقليدي ومنتوج المخابز، خاصة بعد أن اتخذت منه بعض العائلات نشاطا تجاريا موسميا لها، تتحضر له من خلال إعداد ميزانية مسبقة لاقتناء مادته الأولية من سميد وفرينة، مستفيدة من استمرار دعم الدولة لهاتين المادتين والإبقاء على أسعارهما ثابتة منذ سنوات، حيث أن بعض المخابز بالمناطق النائية - أين تجرم العادات الاجتماعية كل ربة بيت لا تقوم بطهي خبز «المطلوع» في بيتها، واتهامها بالتقصير في تسيير شؤون عائلتها - تضطر إلى التوقف عن النشاط خلال شهر رمضان بسبب عدم قدرة إنتاجها من مادة الخبز على تغطية الأعباء المترتبة عن نشاطها، خاصة وأن المخابز، حسب «تحسر» الخبازين، شأنها شأن أي مؤسسة اقتصادية مصغرة لها ما لها من الأرباح، وعليها ما عليها من تكاليف الضرائب وأجور العمال والكراء وفواتير الكهرباء والغاز، إضافة إلى المادة الأولية المتمثلة في السميد والفرينة التي يتم تموينهما بصفة منتظمة من طرف المطاحن.
في هذا الصدد اعترف الخبازون بمستوى الجدية والانتظام الذي سجله تموين المطاحن للمخابز بمادتي السميد والفرينة والنوعية الجيدة للمادتين، كما ثمنوا التزام الدولة بدعم هاته المادة الأساسية لغذاء المواطن الجزائري، خاصة في ظل ارتفاع أسعارها عالميا ورواج شائعات عن شحها على مستوى المطاحن، لتأتي جهود الدولة والنتائج الواضحة مفندة لكل هذه الشائعات.
وعن العوامل التي أدت إلى تقليص كمية الإنتاج، ناهيك عن تلك التي تفرضها العادات الاستهلاكية والاجتماعية في شهر رمضان، أجاب الخبازون، أنها تتنوع بين ظروف موسمية كالعطل المدرسية والمناسبات الخاصة كشهر رمضان، حيث يتوقف الطلب على الخبز من طرف مختلف المؤسسات من مطاعم الجامعات والمدارس، المتعاقدة مع المخابز من أجل تموينها بمادة الخبز خلال أوقات نشاطها. وأخرى تخضع للمعطيات والعمليات الاقتصادية بشكل عام خاصة ما تعلق بمادة الخميرة، كأحد المكونات الأساسية التي تعتمد عليها صناعة الخبز، حيث تجد بلادنا نفسها مجبرة على استيراد هذه المادة من الخارج، تحديدا من الصين وتركيا وفرنسا، في غياب مصانع لإنتاج هذه الأخيرة التي تضاعف سعرها من 320 دج / كغ إلى 720 دج / كغ.
بالنسبة للظروف المحيطة بصناعة الخبز، فقد وضعت «الشعب» الإصبع على الجرح بسؤالها هذا، خاصة في فصل الصيف أين يجد الخبازون أنفسهم بين نارين، درجة حرارة فصلية تصل إلى 40 درجة مئوية وما فاق ذلك بالمناطق الجنوبية، ودرجة حرارة الفرن التي لا تقل عن 250 درجة مئوية. إضافة إلى الأمراض التي تتربص بصحة الخبازين على غرار أمراض الربو، بحكم مزاولة نشاطهم بأماكن مغلقة تفتقد للتهوية، بالإضافة إلى أمراض القلب والضغط الدموي ليصل تهديد صحة الخباز جراء الممارسة الطويلة لهذه المهنة إلى احتمالات الإصابة بسرطان الرئة، مما جعل الخبازين يطالبون بتصنيف عمل المخابز ضمن قائمة الأعمال الشاقة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19733

العدد 19733

الإثنين 24 مارس 2025
العدد 19732

العدد 19732

الأحد 23 مارس 2025
العدد 19731

العدد 19731

السبت 22 مارس 2025
العدد 19730

العدد 19730

الجمعة 21 مارس 2025