مع انقضاء العشر الأوائل من الشهر الفضيل، تبدأ العائلات الأوراسية في تجديد العهد مع عادة راسخة بولاية باتنة، وهي تصويم العائلة لأطفالها الصغار أول مرة، حيث يسبق هذا الحدث الهام خلال الشهر الفضيل تحضيرات كثيرة، تجتهد عدة عائلات في الحفاظ عليها، خاصة في ظل الحماس الكبير الذي يبديه الاطفال للصيام، وإحساسهم بالمسؤولية ورغبتهم في تقليد باقي أفراد العائلة.
رغم التطور الكبير الذي عرفته الولاية، فإنّ ساكنتها لا يزالون متمسكين بهذه العادة الروحانية لأبنائهم وأحفادهم، خاصة بالقرى والمشاتي بباتنة، والتي لا يزال فيها الجد والجدة مسؤولين عن العائلة الكبيرة، ويرافقان أحفادهما لأداء هذه الشعيرة الدينية أول مرة.
أول أيام صوم الأطفال في رمضان بباتنة فرحة لا توصف، هكذا عبرت عديد العائلات الاوراسية عن رأيها في هذا الموضوع، حيث تحرص على تهيئة أجواء روحانية للأطفال لمساعدتهم على صوم أول مرة. خاصة في هذه الفترة من الشهر التي يزاول فيها الاطفال الدراسة في رمضان.
وقد جرت العادة أن يكون إما خلال ليلة النصف من رمضان أو ليلة السابع والعشرين منه، تبركا بهاتين الفترتين من شهر رمضان المبارك، حيث تكون الاستعدادات مميزة من خلال تحضير مجموعة من الأطباق اللذيذة التي تزين المائدة الرمضانية، منها التقليدي والعصري، خاصة إذا كان الصائم الصغير يعشق اكلة معينة، وكل ذلك احتفاء بصوم فرد جديد في العائلة.
وتختلف طرق الاحتفال بصيام الطفل لأول مرة في الاوراس من منطقة أخرى، بل تتعدى الفروقات أحيانا بين العائلات في المنطقة والحي الواحد، إذ هناك من تشجع صغارها على الصوم، ولو لنصف يوم دون إرغامهم على صيام اليوم كله، كخطوة أولى لاكتشاف ماهية الصيام والتعوّد عليه، وتكافئ الأطفال الذين نجحوا في البقاء دون طعام لنصف يوم، وهكذا تستمر متابعة العائلة لمدى تحمل طفلها للقدرة على إكمال اليوم بالإمساك عن المأكولات إلى غاية إتمامه الصيام كليا.
وهناك من العائلات بولاية باتنة من تحرص على تصويم صغيرها يوماً واحداً ثم تفطره اليوم الثاني، ليتمكّن من صيام اليوم الموالي، وهكذا يتعوّد الطفل من تلقاء نفسه على تحمّل مشاق الجوع والعطش تدريجياً وسط مرافقة من العائلة خاصة الأم.
وفي المقابل نجد عائلات أخرى تحرص على دعوة الأهل والأقارب للإفطار في أول الأيام التي يتم فيها الطفل صوم يوم كامل، وفي ذلك تعبير عن فرحة الكبار بصوم الصغار لأول مرة، محافظة بذلك على تقاليد قديمة تحرص على توريثها للأجيال، ومنها أن إفطاره بكأس حليب وحبات تمر، في حين تنفرد عديد العائلات بتحضير طبقي «الرفيس التونسي» و»الزيراوي» اللذيذين، بالإضافة إلى خبز الدار الذي يلازم مائدة رمضان ويكون شريكا لصحن الشربة بالفريك.
وإن اختلفت طرق العائلات في الاحتفاء بصيام فرد جديد من العائلة من منطقة لأخرى، إلا أنها تشترك في جعل هذا الحدث الروحاني مميزا وتقليدا راسخا، تحافظ عليه من الزوال وسط التطور الكبير والمتسارع الذي تشهده الأسرة الاوراسية في عاداتها الغذائية والروحانية.