العائلات القسـنطينيـة تحتفـي بـ “نـصفـية” رمضان

ليلـة عنوانـها التّآخي ومبدأها ترســـيخ التضامـن

مفيدة طريفي

رمضان الكريم بعاصمة الشرق الجزائري موعد روحاني مقدّس، وفرصة عظيمة لإبراز عادات وتقاليد العائلات القسنطينية، وضمانا لاستمرارية تقاليد الآباء والأجداد في التضامن والكرم، حيث تجدهم ومنذ انطلاق الشهر الفضيل يتسابقون للتضامن وإخراج سينية الإفطار للعائلات الفقيرة وعابري السبيل واليتامى، حيث تحافظ العائلات القسنطينية على هذه العادات القديمة التي دائما ما طبعت أيام وليالي الشهر الفضيل بمدينة أقل ما يقال عنها تتنفس عراقة وأصالة.

 من أهم هذه العادات والتقاليد التي يحتفي بها القسنطينيون مع حلول الشهر الفضيل تجهيز أطباق أساسية ترافقهم طيلة الشهر، في مقدمتها “طبق شباح الصفرة” و«طبق حاجب وعوينة” كعادة أصيلة تجعل حسب المفهوم الاجتماعي كل ليالي رمضان حلوة وجميلة على أفراد العائلة ككل، لتصل ليلة النصف من الشهر الكريم التي تصنع الحدث بالولاية، ويعرف إحياء ليلة منتصف شهر رمضان باسم “النصفية أو النفقة”، التي من خلالها تحرص العائلات المتشبثة بعاداتها على أن تكون هذه الليلة على غرار ليلة القدر المباركة مختلفة عن الأيام الأخرى من الشهر الفضيل.
بذل وعطاء وصدقة
 وتعكف العائلات القسنطينية على الاحتفال وإحياء ليلة الخامس عشر “النصفية” من الشهر المبارك، بتحضير وجبات إفطار مختلفة ودسمة من خلال طهي أطباق ثقيلة على غرار طبق الشخشوخة، طبق التريدة المطهو بلحم الغنم، تريدة الطاجين، المحور، طاجين بونارين، طاجين الباي، وهي أطباق تحضرها النسوة في نصفية شهر رمضان العظيم، وهي عادات تعود عليها المجتمع القسنطيني كتقليد ورثوه عن أسلافهم، منذ زمن بعيد.
وفي هذا الصدد تقول السيدة “ليلى - ب« وهي من سكان المدينة الأصليين، إنه في كل منتصف من شهر رمضان الكريم، تجتهد النسوة في تحضير أكلات شعبية تقليدية معروفة بكميات كبيرة ليتم توزيعها ومشاركتها مع المصلين عبر المساجد في صلاة المغرب، وكما تقول السيدة، هي صدقة جارية اعتاد أهل سيرتا عليها، لتضيف أن ليلة منتصف رمضان، تسمى في ولاية قسنطينة بـ “النفقة”، أي بذل وعطاء وصدقة، وأن الاحتفال بهذه الليلة يصاحبه عادة تقديم الصدقة لعابري السبيل أو الفقراء والمعوزين، لذلك هذه العادة التي يحتفل بها أهالي قسنطينة يحسبونها تدخل في باب الصدقة والعطاء.
كما يتم تحضير الحلويات المعروفة بالمدينة، ودعوة جميع أفراد العائلة للإفطار على طاولة واحدة، ومحافظة عائلات أخرى على شراء أضاحي وذبحها، وتقاسم لحومها بالتساوي بين عديد العائلات ممن شاركت في شراء هذه الذبيحة من أجل إحياء ليلة منتصف رمضان، وكذا من أجل إبراز واحدة من عادات التضامن فيما بينهم، ونحو العائلات المعوزة الأخرى التي تتسلم حصة كبيرة من اللحوم.
كما تحافظ العائلات القسنطينية على هذه العادة، غير أن عادة ذبح الأضاحي تراجعت قليلا بالمقارنة مع السنوات القليلة الماضية، إلا أنها تبقى إلى اليوم متجذرة في بلديات ومناطق ريفية المعروفة بتربية الأغنام، وذلك لعديد العوامل الاجتماعية والمادية التي لا تزال تسمح لهم بذلك، كما تواصل العائلات تقاسم ومشاركة الأطباق والأكلات فيما بينها كوسيلة لتعزيز روابط الجوار خلال هذا الشهر المبارك.
وتتميز أيام الشهر الكريم بعمليات التضامن والتآزر من طرف الجمعيات والأفراد، الذين لا يتوانون في تقديم وجبات ساخنة للمحتاجين والمسافرين العابرين للمنطقة، وذلك عن طريق مطاعم الرحمة يتم من خلالها تقديم أزيد من 145247 وجبة خلال وقت الإفطار عن طريق هذه المطاعم الممولة من طرف عدد كبير من المحسنين كرمز للتضامن مع الفئات المحتاجة، على غرار جمعيات خيرية على رأسها “الهلال الأحمر”، “ناس الخير”، “سبل الخيرات” وفقا لتعاليم الدين الإسلام.
وعلى غرار مختلف ولايات الوطن، تشهد المساجد والزوايا بعاصمة الشرق الجزائري إقبالا كبيرا للمصلين خلال هذا الشهر الفضيل، فإلى جانب أداء الصلوات الخمس وصلاة التراويح يوميا، يقوم جمع المصلين بمناسبة النصف من شهر رمضان بإحياء شعائر دينية وقراءة القرآن، والاحتفال بالأطفال التلاميذ المقرئين والحافظين لكتاب الله، وتكريمهم نظير المجهودات التي قاموا بها من أجل حفظ كتاب الله.
تكريم حفظة القرآن الكريم
 كما يتم الاحتفاء بتكريم الأطفال الصغار الذين بدأوا الصوم لأول مرة، كما تفضل بعض الأسر القيام بختان الأطفال الصغار في النصف من رمضان، حيث لم يؤثر التطور على عادات وتقاليد المدينة خلال شهر رمضان المبارك الذي يعد أيضا فرصة لإحياء عديد الأطباق والأكلات التقليدية على غرار جاري فريك وطاجين شباح السفرة، بالإضافة إلى جانب أنواع متعددة من الحلويات المقدمة مع القهوة.
من جهتها، صفحات الفضاء الأزرق ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، تجدها تعج بإعلانات التحضير للنصف من شهر رمضان الفضيل من خلال عرض أعمالهم ومنتجاتهم التقليدية، حيث تعرف رواجا كبيرا وتوافدا من طرف النسوة لاقتناء هذه الأطباق وإعدادها بمناسبة ليلة الخامس أو ما تعرف بنصفية الشهر الفضيل، حتى أنهم يروجون لها في كل المناسبات، وهي ما ساعدت في استمرار هذه العادات الطيبة بالمدينة والعديد من الولايات الجزائرية الأخرى.
وتؤكد صاحبة صفحة “الشاف إيمان” أنها تعمل كطباخة محترفة بالأعراس والمناسبات المختلفة، إلى جانب هذا تنشر أطباقها ومنتجاتها التقليدية عبر صفحتها الخاصة، والتي عرفت بسببها انتشارا وازدهرت أعمالها، مشيرة إلى أن طلبات النسوة تشمل المعجنات التقليدية في مقدمتها الشخشوخة، التريدة والشواط، إلى جانب الحلويات من أجل إحياء عادة “النصفية” وسط تقاليد وممارسات دينية بحتة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19724

العدد 19724

السبت 15 مارس 2025
العدد 19723

العدد 19723

الخميس 13 مارس 2025
العدد 19722

العدد 19722

الأربعاء 12 مارس 2025
العدد 19721

العدد 19721

الثلاثاء 11 مارس 2025