خاتم الفضة والوزيعة وتحضير الكسكس والشربة وأشياء أخرى

هكذا يستقبل “البرايجية” الشهر الكريم

رابح سلطاني

الحرص على كسوة المساجد بثوب يليق بمكانة الضيـف

 مع دخول شهر رمضان الفضيل، تباشر العديد من العائلات والأهالي في برج بوعريريج، في العودة إلى عاداتها وتقاليدها المقترنة “برائحة رمضان” وهو تعبير مجازي يعبر عن تمسّك العائلات بقيمها وعاداتها المتوارثة جيلا بعد جيل، بحرص الآباء على تشجيع الأطفال على الصيام، وحرص العائلات على تجديد تلك العلاقة الروحية بين العبد وربه.

تحرص معظم العائلات في برج بوعريريج، خلال الأيام الأخيرة من شهر شعبان إلى بداية شهر رمضان على التسوق قصد شراء الأواني الفخارية الجديدة، حيث تشهد محلات بيع الأواني والأسواق عموما، توافدا كبيرا للعائلات لاقتناء أواني جديدة وفخارية تعبر بحسبهم عن الفال الحسن والخير، مع الحرص على اقتناء أغطية جديدة للمائدة مخصصة للشهر الفضيل، فيما تحرص عائلات أخرى على طلاء المنازل باللّون الأبيض عشية كل شهر رمضان وهي العادة المتوارثة جيلا بعد جيل، تعبر عن رمزية استقبال شهر رمضان باللون الأبيض بحسب بعض الأمهات والجدات ممن قابلتهم الــ “الشعب”.
عادة متوارثة
ومع دخول الأسبوع الأول من شهر رمضان، يباشر الأهالي والسكان في القرى الشمالية بولاية برج بوعريريج، في إحياء عادة الوزيعة، وهو تأصيل متجذر لدى الكثير من العائلات، لا يزال متوارثا جيلا بعد جيل، إذ يقوم سكان وأعيان هذه المناطق وحتى الجمعيات الخيرية بجمع مبالغ مالية، لشراء عجول وذبحها وتوزيع لحومها بالتساوي على سكان المنطقة دون تمييز، تزامنا وليلة دخول شهر رمضان، قصد إشاعة مظاهر التلاحم والتآزر بين سكان القرى والمداشر والأرياف، وتأليف القلوب وصلة الأرحام، حتى تحلّ الرحمة والتآخي بين العائلات وسكان المنطقة.
فيما تفضل بعض العائلات الاشتراك في نحر أضحية واحدة واقتسامها بين عائلتين على الأكثر، تكفيهم عناء شراء اللحوم خلال الشهر الفضيل، ويتزامن ذبحها مع بداية اليوم الأول من شهر رمضان الفضيل.
ضبط جميع الترتيبات
كما تحرص العائلات البرايجية في مجملها على ضبط جميع الترتيبات المتعلقة بتحضير الأطباق الأساسية خلال الشهر الفضيل، منها طبق الكسكسي المقدّم خلال فترة السحور، حيث تبادر معظم ربات البيوت، إلى تحضيره من خلال تضامن مجموعة من النسوة وتذهبن إلى بيت من البيوت كل يوم والانطلاق في تحضير المادة الأولية لطبق الكسكسي وتكون هذه العادة قبل شهر شعبان وتستمر إلى غاية منتصف شهر شعبان في مظهر من مظاهر التكافل بين العائلات خاصة تلك الماكثة في البيت وقد بدأ يصيب هذه العادة نوع من التراخي والتلاشي خلال السنوات العشر الأخيرة، خاصة بعد جائحة الكورونا.
 فيما تفضل بعض العائلات وربات البيوت إلى الذهاب إلى صاحب الطاحونة، والإشراف شخصيا على عملية طحن “حساء الفريك” وفق ضوابط وشروط معينة باعتباره طبقا أساسيا لدى معظم عائلات الشرق الجزائري حيث تحرص النسوة على اختيار مادتها الاولية.
مع بداية النصفية إلى العشر الأواخر من شهر شعبان، تتأهب معظم المساجد بولاية برج بوعريريج، في استقبال شهر رمضان المعظم، يتجند جموع المصلين والمصليات في تنظيف وغسل السجاد وجدران المساجد وصباغتها، وتهيئة مكبرات الصوت من أجل استقبال هذا الضيف العزيز، من خلال تزيينها وتجهيزها بكل ما تحتاجه لضمان شهر كامل من العبادات دون أي نقائص، من أجل إكسابها ثوبا روحيا مميزا يليق بمكانة ومقام الشهر الفضيل، في أجواء روحانية قل ما تجده خلال أيام السنة، فيما يتجند بعض الشباب، طيلة الشهر الفضيل على خدمة المساجد والمصلين خاصة خلال إقامة صلاة التراويح لنيل الأجر والبركة.
مظهر آخر للتكافل والتآزر
مع دخول الشهر الفضيل تباشر العديد من الجمعيات والمطاعم في تأطير مطاعم الرحمة المخصصة للإفطار الجماعي لفائدة الفقراء وعابري السبيل  في مختلف أنحاء مدن ومناطق برج بوعريريج، على غرار منطقة الياشير ومنطقة سيدي مبارك، حيث تعكف العديد من الجمعيات الخيرية على تأطير هذه المطاعم وتنظيمها، فيما تفضل بعض الجمعيات توزيع الوجبات الجاهزة على مستعملي الطريق السيار شرق غرب، يشرف عليها متطوعون ومحسنون يلتزمون بتوفير مختلف الاحتياجات واللوازم من خضر وخبز ومياه وغيرها من المستلزمات من أجل التكفل بعابري السبيل والفقراء تستمر طيلة شهر رمضان الفضيل.
كأس ماء أو لبن فيه خاتم من فضة
 ومن أبرز تلك العادات والتقاليد التي لا تزال بعض العائلات “الحشمية” بمجانة، تتشبث بها إلى يومنا هذا، تشجيع الأطفال على الصيام، بوضع خاتم من ذهب أو من فضة في كأس من اللبن أو الماء، يقدم محتواه مباشرة للأطفال بعد قضائهم يوماً كاملا من الصيام، في إشارة رمزية إلى الصيام الأول والانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج، وهو تقليد متوارث بحسب بعض الجدات والأمهات، تحمل رمزيته قيمة معنوية ودلالات تحمل النقاء والصفاء كبياض اللبن وصفاء الماء الذي يفطر عليه الطفل في يومه الأول، فيما تفضل بعض العائلات تكريم الطفل أو الطفلة الصائمة، بمكانة كبيرة في العائلة يتم تكريمه بهدايا أو قطع نقدية تشجيعا له وتعبيرا عن فرحة العائلة واحتفالهم بصيام الطفل الصغير.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19714

العدد 19714

الإثنين 03 مارس 2025
العدد 19713

العدد 19713

الأحد 02 مارس 2025
العدد 19712

العدد 19712

السبت 01 مارس 2025
العدد 19711

العدد 19711

الأربعاء 26 فيفري 2025