الأطفال معرّضون لمحتويات غير أخلاقية تحرّض على سلوكيات سلبية
رغم أنّ المنصّات الرّقمية تتيح فرصا هائلة لتبادل المعرفة وتعزيز الروابط الاجتماعية، إلاّ أن هناك جانبا آخر لها يتمثل في استغلال الأطفال والفئات الهشّة، هذه الظاهرة التي أصبحت تهدّد بشكل متزايد السلامة النفسية والجسدية لهذه الفئات، وتتطلّب اهتماما وتعاونا لتعزيز الوعي من الجميع للحد منها، كما تؤكّد في هذا الحوار الدكتورة في علوم الإعلام والاتصال شفيقة مهري لـ “الشعب”.
الشعب: يعد استغلال الأطفال والفئات المجتمعية الهشّة في مواقع التواصل الاجتماعي أحد الظواهر السلبية التي تستدعي التوقف عندها لمعالجة الخلل، فما تعليقكم في هذا الشأن؟
الدكتورة شفيقة مهري: أصبحت ظاهرة استغلال الأطفال والفئات المجتمعية الهشة من أكثر الظواهر انتشارا في وقتنا الحالي، وهذا الاستغلال قد يكون من جهات خارجية ممّن يتصيّدون الأطفال لاستغلالهم في أبشع الجرائم الإلكترونية، من ابتزاز وتحرّش جنسي، وتنمر وترويج للمخدرات وغيرها.
كما قد يكون الاستغلال من الآباء والأمهات لأطفالهم في المراحل العمرية المختلفة في صناعة المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، سواء من خلال التمثيل أو الرقص أو الغناء من أجل تحقيق الشهرة وكسب المزيد من المتابعات والمشاهدات ومن ثمة ارتفاع مكاسبهم المادية، دون أن يضعوا في اعتبارهم الأضرار النفسية والاجتماعية التي تلحق بالأطفال، خصوصا أنهم غير بالغين وغير مؤهلين للتعامل مع البيئة الرقمية ومخاطرها، فضلا عن التأثير السلبي للشهرة عليهم وتأثر نموّهم الطبيعي والنفسي، فالطّفل المستغل في ظل البيئة الرقمية يفقد العيش بطريقة آمنة وسليمة، كما أنه يفقد طفولته وبراءته.
المشكلة التي ينبغي أن نسلّط عليها الضوء هو تعرّض هذه الفئات للإيذاء، كما أنّهم يؤذون فئات عديدة من الأطفال الذين يتّخذونهم قدوة، حيث أنّهم أصبحوا مؤثّرين ولهم القدرة على نشر الأفكار والقيم، وترويجها بشكل سريع بين فئات الأطفال الذين يتابعونهم، والأدهى والأمر هو طبيعة المحتوى، ففي الغالب نجد المحتويات التي ينشرونها محتويات هابطة وتافهة وتهدد أخلاقيات المجتمع، حيث تلقى هذه المحتويات تفاعلية وانتشارا كبيرين بين الأطفال الذين يحاولون تقليدها والانبهار بها، وهذا خطر كبير يهدد سلامة المجتمع وفئاته الهشة تحديدا، لذا ينبغي إيجاد حلول عاجلة بخصوص هذا الموضوع، ورفع الوعي الاجتماعي العام بخصوص حماية الطفل من هذه التجاوزات، وتطبيق القوانين الرادعة التي تحمي هذه الفئة.
الاستغلال السّلبي هو الجانب الآخر لاستخدام هذه المواقع، وربما هو ما يقودنا إلى الحديث عن غياب لأخلاقيات استعمال هذه المواقع، رغم تحديد الكثير من الأنشطة وحظر الصور والفيديوهات التي لا تخدم سياسة هذه المواقع...فما رأيكم؟
أكيد يعد استغلال الأطفال والفئات الهشّة ضمن قائمة سلبيات ومخاطر مواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت وسائل مفخّخة وغير آمنة للاستخدام على الأطفال والفئات الهشة، نظرا لصعوبة حماية الطفل الذي يستخدم هذه الوسائط بدون رقابة في كثير من الأحيان، وبدون تأهيل لتحقيق استخدامات واعية، كما أنه لا توجد سياسة حماية الخصوصية والأمان تحديدا لهذه الفئة، فبالرغم من وجود قوانين لحماية خصوصية الأطفال عبر الأنترنت ومنع استخدام الأطفال أقل من 13 عام لهذه المواقع، إلا أنها تنتهك في تسجيل بيانات خاطئة، أو بقبول الأولياء أنفسهم لاستخدام أطفالهم لهذه المواقع، واستغلالهم في تحقيق عائدات مادية من هذه المواقع.
الكثير من الأطفال يستخدمون هذه المواقع، لكن لا يعرفون قواعد وسياسة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يستطيعون التمييز بين ما هو استغلال وما هو طبيعي نظرا لعدم أهليتهم للتمييز، كما أنّ فئات الأطفال المتابعين للأطفال المستغلين يكونون عرضة للتعرض لمحتويات غير أخلاقية تحرض على سلوكيات سلبية، حيث تشير العديد من دراسات مخاطر هذه المواقع على الأطفال أن واحدا من كل خمسة أطفال مستخدمين للأنترنت تلقوا طلبات جنسية من أشخاص غرباء، كما أنّ واحدا من كل سبعة عشر مستخدما تعرضوا للشتم من خلال الشبكة ونسبة 36 تعرضوا لمحتويات صادمة ذات طابع جنسي أو عنيف، وعشرة بالمائة من هؤلاء تحدث لوالديه عن تلك المحتويات.
أيعني ذلك غياب أطر أخلاقية تحدّد ما المقبول من عدمه داخل الفضاء الرّقمي؟
نعم، فنحن نلاحظ أيضا غياب قواعد أخلاقية واضحة لتنظيم استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، ويمكن القول إنّها فوضى أخلاقية مقصودة، تسهل على الفاعلين الكبار مهمة استغلال الأطفال وبيع خصوصياتهم تجاريا، كما يمكن وصف الضوابط الأخلاقية الحالية بـ “أخلاقيات المحتوى”، إذ تقوم على تقييد أو حظر تبادل ونشر أنواع معينة من المحتويات، وقد يكون الاجتهاد في تطوير أخلاقيات ضمن هذا التوجه مهما، لكنه غير كاف نهائيا لتأسيس أخلاقيات فاعلة لشبكات التواصل الاجتماعي التي هي مصمّمة تقنيا بشكل غير بريء، فحضر المحتويات والصور الإباحية ضمن قواعد سياسة استخدام هذه المواقع غير مفعلة فعليا من طرف إدارة هذه المواقع التي يبقى دورها في تحديد مدى قبول المحتوى أو رفضه من قبل المستخدم، فإذا لم يطلب المستخدم من إدارة المواقع حظر المحتوى لا يحضر المحتوى، فالمشكلة تكمن في وعي الجمهور المستخدم حول طبيعة المحتويات والتفاعل معها، فالطفل لا يمكنه التمييز بين المحتوى، كما لا يمكنه حماية نفسه بحظر المحتويات.
الحديث في هذا الجانب قد يقودنا إلى تسليط الضّوء على صعوبة تحديد هذه المواقع لمدى اعتبار كل الحالات استغلالا، وهو ما يعني وجوب التوعية أكثر في هذا الشق، فكيف يمكننا رفع الوعي لدى أفراد المجتمع وتطبيق القانون طبقا لما يمكن تكييفه مع كل حالة؟
تعد مسألة استغلال الأطفال والفئات الهشة عبر مواقع التواصل، وتحديدا عبر موقع التيك توك بشكل خاص في الترويج للقيم اللاأخلاقية والمضمون الهابط بين فئات الأطفال، من المسائل التي تستدعي العلاج السريع والتوعية المجتمعية الشاملة، فكما ذكرنا سابقا أن هذه المواقع أصبحت عاجزة عن تحديد طبيعة الاستغلال وتمييزه، نظرا لاختلاف الثقافات وتعقد الممارسات والاستخدامات التواصلية عبر هذه المواقع، ونظرا لتفاعلية الجمهور معهم بشكل غير مسبوق، ممّا شكّل في أذهان الجمهور والأولياء أنّها ممارسة طبيعية وعادية.
كما أنّ الطفل في حد ذاته لا يمكنه أن يفهم أو يميز ما يتعرّض له خصوصا في حالات غياب التواصل الأسري وضعف التنشئة الأسرية، وأحيانا أخرى يستغل من طرف أوليائه، لذلك يجب وضع خطّة شاملة يشارك فيها عدد من الأطراف في توعية أفراد المجتمع لحماية الطفل من الاستغلال، من خلال حشد دور وسائل الإعلام في التوعية بحماية الطفل من مخاطر الاستغلال عبر الوسائط الرقمية، وكذا توعية الأولياء بطرق حماية أطفالهم من كل أشكال الاستغلال وتربيتهم على الاستخدام الإيجابي لهذه المواقع في دعم عملية التعليم والتثقيف.
وتحيين قانون العقوبات فيما يتعلق باستغلال الطفل في الوسائط الرقمية وإدراجه ضمن الجرائم الإلكترونية، فالجانب الردعي بالإضافة للجانب التوعوي والتعليمي كفيل بحماية الطفل من الاستغلال ورفع الوعي المجتمعي بخصوص هذه المشكلة المؤرقة المسكوت عنها في المجتمع الجزائري، فهناك فوضى في صناعة المحتوى غير الهادف لفئة الأطفال والفئات الهشة، وكل يحتاج إلى ضبط قانوني وتشريعي وتوعية إعلامية وأسرية ومجتمعية.
وفي الختام يمكن القول إنّه وبالرغم من تطور وسائل الاتصال، إلا أن آليات ضبط استخدامات هذه الوسائل ضعيفة، وهذا راجع لضعف الوعي الرقمي لمستخدمي هذه الوسائط مقابل استخدامها السلبي دون تفعيل سياسة الأمان والخصوصية، ودون غربلة طبيعة المحتويات، حيث نلاحظ تفاعلية كبيرة مع المحتويات اللاّأخلاقية والهابطة من طرف كل الفئات المجتمعية، وعدم تمييز طبيعة الممارسات من طرف الفئات الهشة وتعرّضهم للاستغلال بطرق غير أخلاقية، لذلك يبقى الحديث عن هذا الموضوع والتوعية بشأنه ضرورة ملحّة، خصوصا في ظل تطور القوانين الدولية لحماية الطفل عبر الأنترنت وظهور تيارات التربية الإعلامية لتعزيز الوعي الرقمي.