أماكن تربط حاضر المنطقة بماضيها

البليدة تــــــرمّم معالمـــها وتُعــــزّز ذاكرتــــها

 

 تُشكّل الأعياد المحلية التي تحتفي بها ولاية البليدة من بين أهم الجوانب المهمّة في الذاكرة الوطنية، فهي تُخلّد أبطالا ضحّوا بالنّفس والنّفيس من أجل تحرّر الجزائر، وتُشكّل بوّابات نحو محطّات تاريخية ملهمة بالنسبة للأجيال الصاعدة وتربطها بماضيها.


يتمّ الاحتفال بالمحطّات المرتبطة بالمقاومة الشعبية والحركة الوطنية على مستوى كلّ بلديات الولاية بالنسبة لبعض الأعياد التي تُخلّد رمزا من رموز المنطقة، مثل ذكرى استشهاد الجيلالي بونعامة، في الثامن أوت 1961 في البليدة، والذي يٌحتفل به أيضا في بلدية مولده بولاية تيسمسيلت التي تحمل اسم برج بونعامة.
كما تحتفل كلّ بلدية على حِدى بعيد محلّي خاصّ بها يُخلّد معركة من المعارك والبطولات جرت على أرضها، وتصنّف هذه الأعياد وتُحين من قبل لجنة ولائية مختصّة، وكان آخر عيد تمّ تصنيفه وتمّ الاحتفال به لأول مرة في 13 أكتوبر 2023، هو مجزرة خزرونة التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي بعد مقاومة شرسة تلقاها من قبل سكان المنطقة في 13 أكتوبر 1956.
تتمثل هذه الأعياد المحلية، في ذكرى استشهاد البطل سي أحمد بن موسى المدعو سي حمدان في 12 جانفي 1957 في بلدية العفرون، وذكرى استشهاد البطل الطيب سليمان محمد المدعو سي زوبير بتاريخ 22 فيفري 1958 (تمّت تسمية المدينة الجديدة بوعينان باسمه) في بلدية حمام ملوان، وذكرى استشهاد البطل وادفل بوعلام في بلدية الأربعاء بتاريخ 10 ماي 1959، وذكرى استشهاد البطل موسى قلواز المدعو البوراشدي (نسبة لبلدية بوارشد التابعة لولاية عين الدفلى) بتاريخ 18 ديسمبر 1959 في بلدية الشريعة.
 تحتفي بلديات البليدة أيضا بمعارك أو مجازر وقعت بها، مثل معركة أهل الوادي في بلدية الشفة التي وقعت في 15 أفريل 1957، ومعركة القهاليز في بلدية مفتاح التي حدثت بتاريخ السادس ماي 1956، وتحتفي بلدية قرواو باستشهاد كريلتي مختار في 18 أوت 1956، كما تحيي بلدية مفتاح سنويا ذكرى استشهاد البطل كحشوش سعيد في 14 جويلية 1958.
 ويتم تصنيف الأعياد المحلية بناء على توصيات المجلس العلمي الذي يضمّ أساتذة وباحثين في التاريخ، مع الإشارة إلى أنّ مديرية المجاهدين لولاية البليدة وبالتنسيق مع متحف المجاهد الواقع في بلدية أولاد يعيش، تنظّم للطلبة الجامعيين والباحثين عملية الحصول على شهادات حيّة من قبل مجاهدين حول وقائع تاريخية معيّنة، والتي تمّ توثيقها في بحوثهم والتي تعتبر أيضا مراجع مهمّة، ومن خلالها يمكن الاطّلاع على حِقَب زمنية معيّنة.
 في هذا الصدد، توصّل أستاذ التاريخ بن يوسف تلمساني رئيس قسم التاريخ بجامعة لونيسي علي بالعفرون، في بعض مؤلّفاته إلى تاريخ منطقة “المتيجة” أيّ البليدة وما جاورها، إلى أنّ أوّل العمليات العسكرية التي نفّذها الشعب الجزائري ضدّ الاستعمار الفرنسي كانت على مستوى مدن البليدة وشاركت فيها قبائل الأطلس البليدي مثل قبيلة “بني قينع” و«بني ميصرة”.
ولتعزيز الذاكرة سطّرت ولاية البليدة أيضا برنامجا لإعادة ترميم وتأهيل بعض المعالم التاريخية مثل مراكز التعذيب، حيث صنّفت مؤخرا قصر بوقندورة في بلدية الأربعاء الذي كانت تتخذه فرنسا معتقلا ومركزا لتعذيب للمجاهدين، ويعتبر هذا المركز من بين الشواهد على وحشية الاستعمار الفرنسي وبحسب بعض الروايات فقد عُذّب الشهيد العربي بن مهيدي بهذا المركز.
 ويعتبر مركز “الخضرة” في بلدية مفتاح أحد مراكز التعذيب الذي يروي في أسواره همجية المستعمر الفرنسي والعدد الهائل من الموتى الذين فاضت أرواحهم من شدّة التعذيب، وكذا مركز برج الأمير عبد القادر في بلدية عين الرمانة، الذي من خلال التجوّل بداخله يتمّ اكتشاف مدى حقد المستعمر وتفنّنه في تعذيب الجزائريين، ويروي هذا المركز قصصا مرعبة عن الشهداء الأبرار.
 ومن بين مراكز التعذيب الذي تفقّدتها مديرية المجاهدين لولاية البليدة وصنّفتها ضمن المنشآت التي ينبغي ترميمها، مركز يقع في “حوش فوتري” في بلدية واد جر الذي تأثرت بنياته جراء العوامل الطبيعية، لذا تعتزم المديرية القيام بعملية ترميم استعجالية للحفاظ على الموروث كونه يعتبر همزة وصل بين الماضي والحاضر.
ولأنّ المعالم الأثرية تروي أيضا عن تاريخ المنطقة خلال حقب متتابعة، فقد صنّفت بعضها وتعمل على إحصاء بنايات عتيقة يمكن تصنيفها لاحقا، ومن بين هذه المعالم المصنّفة ما هو متعلّق بتاريخ المنطقة قبل فترة الاستعمار الفرنسي مثل مسجد سعدون بن بابا علي وسط مدينة البليدة المُشيد في القرن السادس عشر خلال فترة التواجد العثماني بالجزائر.
وضمّت قائمة الجرد الإضافي معابد وضرائح وقصور سيصنّف عدد منها ضمن الممتلكات الثقافية الوطنية المحمية، وهذا لتعزيز الذاكرة الوطنية لفائدة الأجيال القادمة تكريسا لحقّها في معرفة تاريخها وثقافتها وهويتها، كما يمكن استغلال هذه المعالم بإدراجها في المسارات السياحية للترويج للسياحة التاريخية التي تعتبر بعض الدول رائدة فيها مثل تركيا.
في هذا الإطار، نشير إلى أنّ بلدية حمام ملوان تحتفي سنويا بذكرى استشهاد الطيب سليمان في منطقة “ السباغنية” أين تقع مقبرة الشهداء، ويُشكّل الطريق نحوها مسارا سياحيا متنوّعا بالنسبة للسياح، حيث يمكنهم التوجّه نحو المحطة الحموية في بلدية حمام ملوان، ثمّ التمتع بما تزخر بها من مقوّمات طبيعية مثل الغابات والوديان، قبل التوقف لتذكر محطة هامّة في تاريخ هذه المنطقة الواقعة في جبال الأطلس البليدي، وهي معركة السباغنية، التي عرفت سقوط 27 طالبا كانوا في طريقهم للانضمام إلى جيش التحرير الوطني، من بينهم الطيب سليمان المدعو “سي زوبير”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024
العدد 19624

العدد 19624

الأحد 17 نوفمبر 2024
العدد 19623

العدد 19623

السبت 16 نوفمبر 2024