يُعدّ النسيان جزءا من حياتنا اليومية، وعادة ما يُنظر إليه كعلامة على ضعف الذاكرة أو مرض ما، إلا أنّ الدراسات الحديثة تشير إلى أنّ النسيان قد يلعب دورا مهما في تحسين وظائف الدماغ، ويسهم في تعزيز قدرتنا على التكيّف مع المعلومات الجديدة.
النسيان يمكن أن يخدم أغراضا وظيفية أيضا، فأدمغتنا تتعرّض لشتّى المعلومات باستمرار، وإذا أردنا أن نتذكّر كل التفاصيل، سيصعب علينا الاحتفاظ بالمعلومات المهمة.
وأوضح الكاتبان سفين فانستي وإلفا أرولشيلفان في تقرير على موقع “لايف ساينس” أنّ استرجاع الذكريات قد يتضمّن أحيانا تغييرات في كيفية التعامل مع المعلومات الجديدة: لنفترض مثلا أنّ تنقلاتك اليومية تتطلّب منك القيادة على الطريق ذاته كلّ يوم، لذا فإنّك على الأرجح تتذكّر الطريق بشكل جيّد، حيث تتعزّز الروابط الدماغية الأساسية المرتبطة به مع كلّ تنقّل.
لكن لنفترض أنّ طريقك المعتاد أُغلق في أحد الأيام، وأنّك ستضطرّ لأن تسلك طريقا جديدا في الأسابيع الثلاثة التالية. لأنّ ذاكرتك عن تفاصيل الرحلة يجب أن تكون مرنة بما يكفي لدمج هذه المعلومات الجديدة، فإنّ إحدى الطرق التي يستخدمها الدماغ في هذه الحالة هي إضعاف بعض وصلات الذاكرة المتعلّقة بالطريق القديم، مع تقوية وصلات إضافية جديدة لتذكّر الطريق الجديد.
وذكر الكاتبان أنّ النسيان قد لا يحدث أحيانا بسبب فقدان الذاكرة، بل بسبب تغييرات في قدرتنا على الوصول إلى الذكريات، وقد أظهرت الأبحاث التي أجريت على القوارض أنه يمكن استرجاع الذكريات المنسية أو إعادة تنشيطها من خلال دعم الروابط العصبية.
يُسمّى ذلك عند البشر بـ “النسيان العابر”، فقد ترى شخصا ما في الشارع ولا تستطيع تذكر اسمه، لكن بمجرد أن تتذكر الحرف الأول فإنّك تتذكر الإسم بالكامل، وهذا ما يُعرف بظاهرة “طرف اللّسان”.
وقد درس عالما النفس الأميركيان روجر براون وديفيد ماكنيل هذه الظاهرة في ستينيات القرن الماضي، وخلصا إلى أنّ قدرة الناس على تحديد الكلمة المفقودة بقليل من التركيز كانت أفضل من تذكّرها عبر المصادفة، وهذا يشير إلى أنّ المعلومات لم تُنسَ بالكامل.
وتشير إحدى النظريات إلى أنّ هذه الظاهرة تحدث نتيجة لضعف الروابط في الذاكرة بين الكلمات ومعانيها، ممّا يؤدّي إلى صعوبة في تذكّر المعلومات المطلوبة. هذا قد يفسّر سبب حدوثها بشكل أكثر تكرارا مع التقدم في العمر وتراكم الذكريات، ممّا يعني أنّ الدماغ يضطرّ إلى فرز المزيد من المعلومات لتذكّر شيء ما، وقد تكون ظاهرة “طرف اللّسان” تأكيدا على أنّ المعلومات المطلوبة ليست منسية، وأنّ القليل من الجهد قد يؤدّي إلى تذكّرها بنجاح.
لكنّ ذلك لا ينطبق على الحالات المرضية التي تتسبّب في فقدان الذكريات بشكل كامل، مثل مرض الزهايمر.
(لايف ساينس)