مدير ملحقة تعليم الكبار بالجلفة محمد تاوتي لـ”الشعب”

دارسات بـ ”محو الأمية” نجحن في إنـشاء 516 مؤسّسة مصغّرة

حاوره: موسى دباب

تجاوز أهداف المنفعة الشخصية إلى تحسين جـودة الحـيــاة المجتمعيـة

أكّد مدير ملحقة محو الأمية وتعليم الكبار بالجلفة، محمد تاوتي، أنّ مفهوم محو الأمية عرف تطوّرات حديثة تسلّط الضوء على أهمية البرامج كأداة لتطوير المجتمع وتعزيز جودة الحياة، وأشار إلى أنّ جهود محو الأمية بالجلفة أثمرت بشكل ملحوظ، حيث يوجد اليوم 516 دارسة أنشأن مؤسّسات مصغّرة خاصّة بهنّ. وأضاف أنّ الوعي المجتمعي بضرورة التعليم، خاصّة بين النساء الريفيات، بدأ يتزايد، ممّا أدّى إلى توافد عدد كبير منهنّ للالتحاق بأقسام محو الأمية.. تاوتي.. استقبلنا وأجاب على أسئلتنا، فكان هذا الحوار..

- الشعب: كيف تطوّر مفهوم محو الأمية اليوم، وما هي الأهداف التي يسعى لتحقيقها من خلال البرامج الجديدة في ضوء احتياجات المجتمع؟
 محمد تاوتي: عرف مفهوم محو الأمية تطوّرا كبيرا وأصبح أكثر شمولية واتساعا، فلم يعد يقتصر الأمر على تعلّم القراءة والكتابة والحساب فقط، بل أصبحنا اليوم نراعي المفاهيم الحديثة ونسعى لتوسيع آفاق المتعلّمين، حتى لو كانت دوافعهم محدودة.. البرامج اليوم تتجاوز أهداف المنفعة الشخصية، ممّا يسهم في تحسين جودة حياة المجتمع ويعزّز دور المتعلّمين كوسيلة لنقل الرسائل التنموية.

-  هل يمكنكم شرح دور ملحقة محو الأمية بالجلفة في تعزيز التوعية ؟
 تقوم ملحقة محو الأمية بالجلفة بدور فعّال من خلال المساهمة في حملات التوعية في مجالات متعدّدة، منها الصحّة، والبيئة، وحوادث المرور، ورمي القمامة المنزلية، والسباحة في البرك والسدود والشواطئ، بالإضافة إلى ظاهرة رمي الخبز وتمزيق الكراريس مع بداية العطلة، وأقرب مثال على ذلك، مشاركتنا في النشاطات التحسيسية بـ«الشهر الوردي”، حيث استضفنا أطباء لمشاركة المعلومات مع الدارسين حول أعراض سرطان الثدي وطرق الوقاية والاكتشاف المبكّر، ممّا يساهم في تقليل تكاليف العلاج. كما نتعاون مع متخصّصين في التغذية للتوعية حول مرض السكري.. خلال جائحة كوفيد-19، نظّمنا حصصا عبر وسائل الاتصال الحديثة، بما في ذلك دروس في علم النفس لرفع معنويات المعلّمين والمتعلّمين.. نساهم أيضا في تعزيز مفاهيم السلامة المرورية من خلال تقديم دروس توعوية تتماشى مع ما تقرره وزارة التربية، ما يعزّز من تقارب الأجيال ويزيد من الوعي الأسري بأهمية السلامة، بالإضافة إلى ذلك، نتعاون مع مديرية توزيع الكهرباء والغاز لتنفيذ حملات توعية في المؤسّسات التربوية حول أهمية السلامة المنزلية في فصل الشتاء، مع التركيز على مسؤولية الأسرة، بما في ذلك دور الأبوين في تركيب المدافئ ومراقبة التسرّبات، لضمان بيئة آمنة للجميع.. طرحنا أيضا ظاهرة تمزيق ورمي الكراريس كجزء من دروس التوعية للأولياء، ونسعى إلى تحسيسهم بأهمية المحافظة على المواد التعليمية.. خلال العطلة الصيفية، نقدّم توعية حول مخاطر السباحة في الأماكن الممنوعة مثل البرك والشواطئ غير المحروسة. كما نظّمنا درسا مشتركا مع ولاية المدية حول خط السكة الحديدية، حيث نركّز على أهمية الابتعاد عن المناطق المحيطة بالسكك وعدم تخريب الأسلاك الشائكة وعدم الرعي بالقرب منها.. نحن نؤمن بأنّ محو الأمية يتجاوز القراءة والكتابة، بل يجب أن نقدّم منفعة عامة تخدم المجتمع، حتى تتمكّن هذه البرامج من تحقيق تأثير إيجابي. وقد شاركنا في اليوم الدراسي الذي نظّمه مركز البحث في الفلاحة الرعوية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، حيث تم تسليط الضوء على دور الدارسين في المحافظة على التراث الثقافي والتراث اللاّمادي.

-  هل تساهم ملحقة محو الأمية بالجلفة في مواجهة ظاهرة رمي الخبز وتعزيز الوعي البيئي؟
 الملاحظ أنّ ظاهرة رمي الخبز في القمامة عرفت تراجعا ملحوظا بفضل الحملات التي نفّذتها مديرية التجارة، وشاركت فيها ملحقة محو الأمية بالجلفة، بعد زيادة الوعي ومعالجة هذه المشكلة من خلال دروس توعوية.. نركّز أيضا على مشاريع فرز النفايات المنزلية، فدور المرأة محوري في نجاح هذه المبادرات. لهذا نقوم بتنظيم حملات تهدف إلى تحضير النساء لذلك، بما في ذلك توعية المجتمع حول توقيت إخراج القمامة وأهمية المحافظة على البيئة.

-  كم هي نسبة الأمية في ولاية الجلفة، وما هي جهود الدولة في مواجهة هذه الظاهرة؟
 عرفت نسبة الأمية في ولاية الجلفة تراجعا ملحوظا في السنوات الأخيرة. ففي إحصاء عام 1998، كانت نسبة الأمية تصل إلى 54.04%، مع تسجيل النساء نسبة 61% من هذه النسبة. ولكن مع إحصاء عام 2008، انخفضت هذه النسبة إلى 35.05%، ما يعكس الجهود الكبيرة التي بذلتها الولاية في تعزيز تعليم النساء، رغم استمرار ضعف إقبال الرجال على البرامج.. في ذلك العام، بلغ المعدل الوطني لتقليص الأمية 9%، بينما سجلت الجلفة نسبة تراجع بلغت 18%، أيّ ضعف نسبة المعدل الوطني.
حاليا، تشير تقديرات الديوان الوطني لمحو الأمية إلى أنّ نسبة الأمية في الجزائر قد انخفضت إلى حوالي 7.40%. هذه الأرقام تعكس النشاط الملحوظ والاهتمام المتزايد من الدولة في مواجهة هذه الظاهرة، حيث ساهمت جهود توسيع شبكة المدارس وبناء المؤسّسات التعليمية في مناطق الظلّ والأرياف، بشكل كبير، في تقليص مساحات الأمية، خاصّة بين الشباب. كما يساهم فتح الملحقات التعليمية وتوفير فرص جديدة في دعم هذه الجهود.

-  تقييمكم لتجربة محو الأمية في ولاية الجلفة، وما هي التحدّيات التي تواجهها هذه المبادرة؟
 تشهد ولاية الجلفة تطوّرا ملحوظا في تجربة محو الأمية، حيث نشارك في تجربة مميّزة من خلال مراكز محو الأمية وما قبل التمهين للمرأة والفتاة، بالإضافة إلى افتتاح مساحات للطفولة في حوالي 6 مراكز لدعم المرأة.. هذه المؤشّرات الإيجابية تعكس انخفاض نسبة الأمية، ولكنّنا نلاحظ ضعفا في إقبال الرجال بسبب انشغالاتهم اليومية.
ونشهد زيادة في الوعي في بعض المناطق الريفية، حيث كانت هناك مقاومة سابقا لتعليم المرأة، ولكن اليوم، وبفضل دور المساجد في التوعية، التحقت العديد من النساء الريفيات بمراكز محو الأمية في مناطق كنا نعاني فيها من قلّة الراغبات في التعلّم. رغم ذلك، ما تزال هناك تحدّيات مرتبطة بالعادات والتقاليد التي تعيق تعليم المرأة في بعض الأرياف وحتى عواصم البلديات.. نحاول التغلّب على هذه العقبات، ونحن مستعدّون لفتح أقسام حتى داخل البيوت، حيث يمكن لمعلّمي محو الأمية زيارة المنازل..

-  هل يمكنكم اطلاع القارئ على إحدى التجارب الناجحة في مراكز محو الأمية بالجلفة؟
 لدينا تجربة ملهمة لمعلّمة من بلدية عين معبد، كانت تدرس عندنا في أقسام محو الأمية. بفضل إرادتها القويّة ودعمنا، استطاعت أن ترفع تحدّي التعليم وبدأت من لا شيء حتى أصبحت معلّمة في مراكز محو الأمية، وتشجيعا لها، خصّصنا لها منصبا لتعليم النساء، وهي الآن تعدّ لشهادة الليسانس.. هذه قصّة نجاح تعكس كيف يمكن للجهود الفردية والدعم المؤسّسي أن يفتحا آفاقا جديدة للمتعلّمين، ويعزّزا من قيمة التعليم في المجتمع.

-  ما هي أبرز إنجازات دارسات مراكز محو الأمية فيما يتعلّق بإنشاء مؤسّسات مصغّرة؟
 خلال السنوات الماضية، سجلنا 561 دارسة حصلن على القروض المصغّرة، حيث تمكّنت العديد منهنّ من إنشاء مؤسّسات صغيرة خاصّة بهنّ، ومن أبرز الأنشطة التي قمن بها: ورشات الخياطة، حيث أبدعت الدارسات في إنتاج الملابس التقليدية والعصرية، صناعة السخاب النايلي، وهي واحدة من الحرف التقليدية المرتبطة بالمرأة النايلية، صناعة الدمى الصوفية التي تعتبر منتجا ثقافيا مهما، خياطة القشابية، وهو نوع من الألبسة التقليدية، بالإضافة إلى صناعة الحلويات، كما شاركنا بجزء من هذه المنتجات في المعرض الذي أقيم بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الريفية، مما ساهم في تسليط الضوء على إبداعاتهنّ.
ومن خلال التنسيق مع وكالة القرض المصغّر، نظّمنا حملات توعية وتحسيسية، حيث قام الموظف بزيارة الدارسات لتبسيط الإجراءات وتحفيزهنّ على التوجّه إلى القروض المصغّرة. وقد كان دورنا يتمثل في التوعية والتوجيه، ممّا ساعد على تحسين دخل الأسر ومساندة الآباء وأرباب العائلات.
وتجلب الدارسات المواد الأولية المتاحة لهنّ، إلى مراكز محو الأمية، حيث نضع تحت تصرفهنّ الآلات الموجودة في هذه المراكز لاستخدامها بطرقهنّ الخاصّة. وغالبا ما يمارسن هذه الأنشطة من منازلهنّ، ما يزيد من فرص العمل داخل المجتمع.

-  قلتم إنّ مراكز محو الأمية وما قبل التمهين تدعم النساء والأطفال في المجتمع، كيف ذلك؟
 تدعم مراكز محو الأمية وما قبل التمهين المرأة من خلال توفير مساحات للطفولة، حيث يمكن للأمهات ترك أطفالهنّ الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و5 سنوات، أثناء تعلّمهنّ واكتساب الحرف. وقد تم تجهيز هذه المساحات بدعم من اليونيسيف، وتتولّى مربيات مؤهّلات رعاية الأطفال. بالإضافة إلى ذلك، تقدّم المراكز تخصّصات في النسيج التقليدي، الخياطة، والطبخ، ممّا يمكّن الدارسات من اكتساب مهارات جديدة. وتلعب المراكز أيضا دورا ثقافيا من خلال جمع الموروث الشعبي، بما في ذلك القصص والقصائد، ممّا يسهم في الحفاظ على التراث الثقافي للمجتمع.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19607

العدد 19607

الإثنين 28 أكتوير 2024
العدد 19606

العدد 19606

الأحد 27 أكتوير 2024
العدد 19605

العدد 19605

السبت 26 أكتوير 2024
العدد 19604

العدد 19604

الخميس 24 أكتوير 2024