حينما أصبحت أُمّاً، لم تربكني فكرة الاعتناء بالطفل وقلّة النوم، أو إدراك أنَّ حياتي قد تغيّرت تماماً؛ بل كانت فكرة تربية إنسان سيتعامل مع غيره من الناس ويؤثّر في حياتهم، فقد كانت تلك فكرة مخيفة بالنسبة إليّ، إذ لم أكن أريد إفساده وتدمير حياته دون قصد؛ بل أردتُ أن أعلِّمه الدروس المناسبة ليصبح شخصاً طيِّباً ومحترماً ومندفعاً ذاتياً في المستقبل.
لِحُسن الحظ، أنا أعمل في مجال التدريس، الأمر الذي ساعدني كثيراً على تربية طفلي، فاعتمدت على دراستي في علم النفس لمعرفة أهم دروس الحياة التي يحتاجها، وأستعرض فيما يأتي بعض الدروس في الحياة يجب أن يعلِّمها الآباء لأطفالهم، وذلك وفقاً لعلماء النفس وخبراء تنمية الأطفال.
لا شيء في الحياة دون مقابل
سأبدأ بدرس هامّ جدّاً يهدف إلى غرس مفهوم العمل الجادّ في نفوس الأطفال، ومنعهم من زيادة شعورهم بالاستحقاق، وإنَّه أمر صعب، لأنَّ الآباء يرغبون بتسهيل حياة أطفالهم، فأتذكّر في سنوات طفولتي أنَّني كنتُ أكره الاضطرار إلى القيام بالأعمال المنزلية أو توفير المال لشراء لعبة، وقد أردت الحلّ الأسهل، لكنَّ أمي لم تسمح لي بذلك، وهذا أدّى إلى خلافات بيننا، ولكنَّني أفهمها الآن تماماً.
لقد كانت أمّي على حقّ، ويتَّفق معها خبراء تنمية الأطفال، إذ يجب أن يتعلَّم الأطفال أنَّ بذل الجهد هام في الحياة، ولا شيء يضاهي لذّة كسب شيء تعبت لتحصيله، ويبني العمل الجادّ الشخصية والقوّة الداخلية، لذا فإنَّ امتلاك أخلاقيات عمل قويّة هو من أفضل دروس الحياة التي يمكنك منحها لطفلك.
لا يحصل المرء دوماً على ما يريد
على الأطفال أن يتعلّموا أيضاً أنَّ الحياة ليست عادلة، وأحياناً لن يحصلوا على ما يريدونه حتى لو عملوا بجدّ، وصحيح أنَّ الآباء لا يتحمّلون أن يروا أطفالهم يفشلون، أو يشعرون بالتعاسة حين لا يستطيعون الحصول على ما يريدونه، لكنَّ خيبة الأمل جزء من الحياة، وفهم ذلك يساعد الأطفال على التأقلم بصورة أفضل عندما لا تسير الأمور كما خطّطوا لها.
تقول الأخصّائية في تنمية الطفل بيكي لينوكس “يحتاج الأطفال إلى تعلّم كيفية الشعور بخيبة الأمل، وتجربة هذا الشعور تحت كنف الوالدين يساعدهم على التعامل معه على الأمد الطويل، وإنَّ خيبة الأمل على أيّ مستوى هي عاطفة صحّية وإيجابية تساعد على تشكيل النموّ العاطفي والفكري والاجتماعي للطفل”.
الرفــض هــام
يُعدُّ هذا درساً ثميناً في الحياة يمنح الأطفال القوّة حتى مرحلة البلوغ، إذ يجب أن يتعلّموا منذ نعومة أظفارهم أنَّ لديهم الحقّ في رفض الأشياء والمواقف التي لا تشعرهم بالراحة، ويقول عالم النفس السريري راماني دورفاسولا: “يتيح الرفض للأطفال تعلّم الدفاع عن أنفسهم، فيبقون بذلك آمنين، وإنَّهم يتعلّمون رفض ضغوطات الأقران لممارسة سلوكيات مؤذية قد تكون محفوفة بالمخاطر، وذلك لتطوير إحساسهم بذاتهم، وتعلّم التعبير عمَّا يفضّلونه بصورة مناسبة”.
يعزِّز الرفض ثقة الأطفال بأنفسهم وقدرتهم على وضع الحدود الشخصية، فكلمة “لا” تمكِّنهم من اتخاذ خيارات صائبة بشأن حياتهم دون الشعور بالذنب أو الاضطرار إلى شرح الأسباب، وبالنتيجة سيتعلّمون أيضاً احترام الآخرين حين يرفضون أمراً طلبوه، ويحافظون على حدودهم الشخصية.
تقبُّـل النقــد
هذا الأمر صعب، نظراً لصعوبة تقبُّل النقد، حتى بالنسبة إلى البالغين، ولكن لهذا السبب بالذّات يجب أن يتعلَّم الأطفال كيفية تلقِّيه، إذ إنَّ تقبُّل التغذية الراجعة والنقد هو جزء من تنمية الذكاء العاطفي، وهو بالتأكيد مهارة تؤثر في النمو الشخصي والمهني، وابدأ بتعليم طفلك ذلك من خلال إظهار السلوك غير الدفاعي، واطرَحْ عليه أسئلة مثل: “ما هو رأيك في العشاء الذي أعددته؟” وإذا كان جريئاً وأخبرك بأنَّه كان عادياً، فأظهر امتنانك على تعليقه.
ويوصي معهد فاميلي إنستيتيوت بالردّ على الأطفال بعبارات مثل: “أنا أقدِّر تعليقاتك، وسأفكِّر فيما قلته وسأقرّر ما عليَّ اختياره أو رفضه”.
الهدف من ذلك هو أن يروا أنَّهم قادرون على التحكّم بالطريقة التي ينظرون بها إلى النقد، وأنَّهم يستطيعون تقييم أيّة تغذية راجعة بأنفسهم، وقبول ما يناسبهم منها.
الحيــاة رحلــة شخصيـة
من أهمِّ دروس الحياة التي علينا تعليمها لأطفالنا هو أنَّ لكلّ منهم رحلة شخصية في الحياة، وأنَّ لهم الحقّ بخوضها بالوتيرة التي تناسبهم دون الاهتمام بما يفعله الآخرون، وهذا الدرس هام كي لا يقعوا في فخّ مقارنة أنفسهم بالآخرين، لأنَّ هذه العادة السيئة تؤثر سلباً في احترامهم لذاتهم، ويجب أن نعلِّمهم أنَّ الحياة ليست منافسة؛ بل رحلة شخصية نحو تحقيق نجاحاتهم وسعادتهم، وما داموا يفعلون ذلك بكرامة، فسيكونون على ما يرام، وسيزداد شعورهم باحترام الذات.
والصدق، فقد يرى الأطفال النزاهة مفهوماً معقَّداً، ولكنَّها تتعلَّق باتخاذ السلوك الصائب حتى عندما تكون وحدك ولا يراقبك أحد، ولكن تتمحور النزاهة حول أكثر من ذلك بكثير، فيتعلّم الأطفال أيضاً كيفية تحمُّل المسؤولية، ويتعلّمون مفهومَي العواقب والثقة، والأهم من ذلك، أنَّهم يتعلّمون كيفية الحفاظ على ضمائرهم مرتاحة دوماً، حتى يناموا قريري العين دون أن تزعجهم أيّة معضلة أخلاقية حين يصبحون بالغين، فالتمتّع بالصدق والنزاهة أمر هام جدّاً في عالم مليء بالخداع والخيانة.
(النجاح نت بتصرف)