مسـكّنات الألم..

علاج يتحوّل إلى إدمان..

أصبح تناول المسكّنات عادة مألوفة يلجأ إليها كثيرون للتغلّب على الآلام، حتى وإن كانت تلك الآلام محتملة؛ إذ يتّخذها البعض حلاّ سريعا لتخفيف ألم مؤقّت، لكنّها خطر يهدّد الصحّة الجسدية والنفسية بشكل متزايد، فالإفراط في استخدام المسكّنات ليس مجرّد عادة، بل يمكن أن يؤدّي إلى إدمان شديد، حيث يتحوّل الشخص من استخدامها كحلّ مؤقّت إلى الاعتماد عليها بشكل يوميّ.
في كثير من الأحيان، يميل الناس إلى تناول المسكّنات لتخفيف الألم بسرعة وعدم التعرّض للإزعاج اليومي، فيتناول البعض المسكّنات كإجراء وقائي حتى قبل الشعور بالألم الشديد، اعتقادا منهم أنّ الألم سيزداد.

المـــسكـــّنـات غـير ضـارّة.. مـعتقد خــاطــئ

بالمقابل، يؤكّد الأطباء أنّ المسكّنات عند البعض جزء من الحياة اليومية؛ حيث يلجأون إليها فور الشعور بألم طفيف أو حتى لمجرد التوقّع بحدوثه، مبيّنين أنّ هذه العادة التي تبدو بريئة في ظاهرها تخفي وراءها مخاطر كبيرة، حيث يتحوّل الإدمان على المسكّنات إلى مشكلة صحّية قد تكون مدمّرة على المدى الطويل.
يعيش أحمد (35 عاما) حالة من القلق الدائم تجاه الألم، رغم أنّ آلامه بسيطة، إلا أنّه اعتاد تناول المسكّنات فور شعوره بأدنى انزعاج، واصفا حالته “أشعر دائما بالخوف من الألم، لا أستطيع تحمّل فكرة الانتظار حتى يتفاقم، لذلك أتناول المسكّن حتى قبل أن أشعر به أحيانا”.
أحمد ليس حالة فريدة، فالكثيرون يشاركونه هذه العقلية، ممّا يجعلهم عرضة للوقوع في دوامة إدمان تناول الدواء.
وتروي سعاد (40 عاما) تجربتها مع المسكّنات، فتقول “كنت أتناولها كإجراء وقائي، حتى إنّني وصلت إلى مرحلة أتناول فيها الحبوب يوميا خوفا من الإصابة بآلام البطن الشديدة أو الصداع أو حتى أوجاع الجسم المختلفة، فمثلا إذا كان لديّ مخطّط للخروج برحلة مع الأقارب أتناول الدواء المسكّن خوفا من أن أتعب أو أتألّم”.
لكن هذه الحال لم تستمر طويلا مع سعاد؛ إذ عانت كثيرا من آلام الكلى، ما اضطرها للذهاب إلى المستشفى، وكان السبب جرعات كبيرة من المسكّنات التي أثّرت عليها سلبا.
وبدورهم، ينصح الأطباء المريض، بأنّه مهما كان يعاني من أيّ ألم أو توعّك صحّي، عليه أن يستشير طبيبا ليبين له ألمه وأعراضه، ليصف دواء ومسكّنا بجرعات مناسبة له ووفق حالته الصحية.
ويؤكّدون أنّ اليوم، كثيرون لديهم في حياتهم أطباء مقرّبون، ومن يعاني من ألم بسيط لا يزور الطبيب، لكن يمكن الاستشارة عبر الهاتف أو برسالة قصيرة، لأخذ العلاج المناسب، وهناك حالات تصل إلى الخطيرة من جراء استخدام المسكّنات بشكل كبير وبجرعات زائدة، ومنها حالات لا تحتاج بالحقيقة إلى المسكّن أو إلى هذه الجرعات، ما يصل حدّ الفشل الكلوي عند البعض والدخول بدوامة ألم مستمرّة.
ويشير الخبراء إلى أنّ المسكّنات، رغم أنّ منها ما هو آمن ويمكن ألا تؤدّي إلى ضرر في البداية، لكن أخذ أيّ شيء كيميائي وإدخاله للجسم باستمرار ومن دون الحاجة الملحّة له أضرار كثيرة.
وكمثال على ذلك، من كان يعاني من صداع شديد جراء نزول الضغط وإن أخذ مسكّنا لا يمكن أن يعالج هذا الصداع، فلا بد من رفع مستوى ضغط الدم، ومن هنا يتوجّب على الناس الاستفسار والحديث مع الطبيب لوصف الحالة ووصف الدواء المناسب أو المسكّن المناسب.
وتكون هذه السلوكيات مدفوعة بمعتقدات خاطئة مفادها بأنّ المسكّنات غير ضارة أو أنّ الجسم قادر على تحمّلها من دون عواقب، وهنا يأتي دور العوامل النفسية؛ حيث يرى النفسانيون أنّ بعض الأشخاص يستخدمون المسكّنات للهروب من مشاعر التوتّر أو القلق المرتبطة بالألم، حتى وإن كان الألم بسيطا.
كما أنّ التأثير السريع للمسكّنات على تقليل الألم يعزّز السلوك الإدماني، حيث يميل العقل إلى ربط الألم بتناول الدواء على الفور من دون التفكير في البدائل أو الآثار الجانبية المحتملة.

«ألموفوبيا”.. رهاب الألم
يمكن للاعتماد المستمرّ على المسكّنات أن يتسبّب في مشاكل صحية خطيرة، فقد يؤدّي الإفراط في تناولها إلى تلف الكلى والكبد، إذ تكون هذه الأعضاء مسؤولة عن تصفية السموم من الجسم، كما أنّ المسكّنات تؤثر على الجهاز الهضمي، حيث يمكن أن تسبّب تقرّحات المعدة والنزيف الداخلي، علاوة على ذلك، فإنّ بعض أنواع المسكّنات قد تؤدّي إلى الإدمان الجسدي، ممّا يعني أنّ الجسم يصبح غير قادر على تحمّل الألم من دونها، ويدفع الشخص لزيادة الجرعات بشكل غير واعٍ.
ويبين المختصّون أنّ هذا الاستهلاك غير الموزون للمسكّنات يكون وسيلة لتجنّب مواجهة هذا القلق، وليس بالضرورة لعلاج الألم ذاته وأنّ هذا النوع من الاعتماد النفسي يمكن أن يكون أكثر صعوبة في التخلّص منه مقارنة بالإدمان الجسدي، لأنّه يعكس نمطا في التفكير يتطلّب تعديلا نفسيا وسلوكيا.
ويشير الخبراء إلى أنّ الأشخاص الذين يعتمدون على المسكّنات خوفا من الألم قد يعانون من “رهاب الألم” أو “ألموفوبيا”، وهي حالة نفسية تجعل الفرد في قلق مستمر تجاه احتمالية الشعور بالألم، خصوصا بعد تعرّضهم لأزمة مرضية عانوا منها سابقا، فيتذكر جسدهم ذلك الألم ويحاولون الابتعاد عنه، وهذا الخوف يؤدّي إلى سلوكيات قهرية، حيث يتناول الشخص المسكّنات حتى قبل أن يشعر بأيّ ألم حقيقي.
ومن الضروري رفع مستوى الوعي حول مخاطر الإدمان على المسكّنات، وينبغي تعليم الأفراد أنّ الألم في بعض الأحيان جزء طبيعي من الحياة، وأنّ اللّجوء السريع للمسكّنات ليس الحلّ الأمثل. (الغد بتصرف)

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024