ممارسته بين الأزواج ومع الأطفال قد يفسد التواصل

الصمت العقابي.. خطر يُهدّد العلاقات العائلية

كيف كان شعورك حين كان أصدقاؤك يرفضون اللعب معك صغيرا؟ وحين كان زملاء العمل يكتفون بحديث جانبي لا يهتمون خلاله بالتواصل؟ أو عندما تجاهلك زوجك بعد عودته متأخرا ورفض الحديث معك لأيام؟ الإقصاء ورفض التواصل وخلق رابطة اجتماعية سواء بالكره أو المحبة، هو واحد من التجارب القاسية التي تترك بالنفس ندوبا، وأحد أشكالها هو الصمت العقابي الذي حذّر كثير من أطباء علم النفس من تأثيره النفسي والبدني.
ليس المقصود به الصمت العادي حين لا تجد ما تقوله، أو لا تقوى على الكلام، ولكنّه الصمت الذي يعلن عن موقف أو يتم استخدامه كاستراتيجية، فيتبع أحد الطرفين الصمت ورفض التواصل كسلوك مؤذي هدفه أن يُشعر الطرف الآخر بعدم القيمة أو الأهمية، أو رغبة في التجاهل وإنكار المسؤولية.
ويأتي الصمت كعقاب مزعج يتسبب في تآكل العلاقة بين أيّ طرفين، وكأنه إعلان من الطرف الآخر أنه لم يعد يعترف بوجودك، فإذا كان هناك خلاف حول أمر ما يرفض الحديث عنه بشكل تام، ممّا يجعلك تشعر بالإهانة والضعف والأذى، وأنك غير محبوب وغير راضي عن نفسك، ويتملكك الشعور بخيبة الأمل.
وفهم السبب وراء اختيار الصمت عند الخلاف أو نتيجة نقاش محتدم يبدو صعبا، ويحتاج لفهم سيكولوجية الطرف الآخر، فهل هو متعمد الإيذاء؟ ويرغب في التحكم بسلوكك وعقابك؟ أم أنّ تفاعله مع الموقف نابع من شعوره بالثقل وعدم القدرة على التواصل مع مشاعره وأفكاره؟ وقد يكون في حالة من الضيق العاطفي واضطراب الصحة النفسية الذي يدفعه إلى الانغلاق على نفسه وعدم القدرة على التواصل.
بينما يشير أحد متخصّص في علم النفس عبر موقع كليفلاند كلينك أنّ الصمت العقابي قد يكون سلوكا مكتسبا اعتاده الشخص، ولا يدرك أنه خاطئ ومؤذي، على العكس يعدَّه طريقة جيدة لتجنّب الصراع والمشاعر الصعبة، نتيجة نشأته في أسرة اعتمدت الصمت أسلوبا للعقاب.
ومن أهم أسباب هذا النوع من العقاب محاولة لتجنب مواجهة مشاعر صعبة وعدم القدرة على اتخاذ ردّ الفعل المناسب أو الحديث الملائم، ولذلك يكون التجنّب هو الحلّ بالنسبة لهم.
التواصل: عندما يفقد القدرة على التواصل والتعبير عن مشاعره، ويستخدم الصمت كوسيلة للتعبير عن انزعاجه وضيقه من موقف ما، متأملا أن يلاحظ الطرف الآخر ذلك.
العقاب: هنا يتحوّل الصمت إلى شكل من أشكال التلاعب العاطفي والإساءة، فتعمّد الصمت ليكون عقابا هدفه ممارسة السيطرة والتحكم بالشخص الآخر.
مدمّر العلاقات الأسرية
استخدام الصمت العقابي في الزواج ومع شريك العمر، يمكنه أن يدمّر الشراكة الزوجية ويؤثر على الروابط التي خلقها الطرفان من محبة وحميمية وتواصل، ويبدأ عندما يشعر طرف في العلاقة بالغضب أو الرفض لموقف ما قام به الطرف الآخر، وعندما يقوم هو بفعل يريد التنصّل منه، فيقرر الصمت والتجاهل والانسحاب.
ومع طول مدّة الصمت، يحاول الطرف الآخر أن يتوسّل للنقاش وحلّ الأمر، بينما يقرر الطرف الصامت ألا يخرج عن صمته إلا بإرضاخ الطرف الثاني (الزوج، أو الزوجة) لما يريده، ويسعى للسيطرة عليه.
للأسف، تبدأ ممارسات الصمت العقابي من الطفولة، فغالبا ما تعرّضت في طفولتك إلى هذا النمط من العقاب، حين يرفض الأب أو الأم الحديث إليك وتوضيح وجهة نظرهما أو الخطأ الذي قمت به، ويمتد تأثر الطفل بالصمت العقابي حتى مرحلة البلوغ.
وإذا كنت تظن أنّ الصمت العقابي قد يكون أسلوبا جيدا للتأديب، فالحقيقة أنّه يجعل طفلك يشعر بالعجز والخوف والقلق المستمر، ويتسبب في شعور الطفل أنه غير مرغوب به، ولا يتمكن من التعبير عن مشاعره.
ويفقد الشعور بالأمان من والديه، وتنكسر الرابطة بينه وبينهم، وقد يزيد ذلك من سلوكه العدواني كردّ فعل غير واعي، ويظهر سلوك تجنبي على الطفل، ويسيطر عليه الشعور بالذنب وعدم احترام الذات.
ومن الممكن أن يحوّله إلى طفل اعتمادي، ولديه هاجس بالكمال والسعي إلى إرضاء والديه باستمرار، ويجب أن ينتبه الآباء إلى السلوك التأديبي الذي يقومون باتباعه، وتأثيره النفسي.
تعامل بذكاء
يجب اللجوء إلى طريقة للتعامل مع هذا الصمت ووقف تأثيره على صحتك النفسية من خلال وضع حدود صحية فيجب ألا تسمح للطرف الآخر بالتعدّي، ولا تعتذر لإرضائه، فقط الاعتذار عندما تُخطئ، وأن تكون واضحا في إخباره بأنّ فعله مؤذي وغير صحي لعلاقتكما.
التحدّث بوضوح وثقة، أنت لست في موقف ضعف ولا تقع تحت سيطرة الطرف الآخر، ولذلك عليك باللجوء إلى التواصل الصحي الذي يضمن لك الحفاظ على سلامك النفسي، وحتى وإن كنت ترغب في الصراخ وينتابك الإحباط من صمته، فقد تقوم (أو تقومين) بالتحدّث بشكل واضح عن مشاعرك، دون إلقاء اللوم لتهدئة الوضع، مثل قول “لقد شعرت بالأذى والإحباط”، أو ذكر موقف محدّد “لقد استبعدتني عندما...، متى يمكننا التحدّث عن الأمر؟”.
الرعاية الذاتية، فمن المنهك أن تتعرض للصمت ولا تملك القدرة على التعبير عن غضبك وإحباطك، في وجود شخص لا يستمع إليك، لذلك يجب القيام بأنشطة تخفّف من الضرر الواقع عليك، مثل: اليقظة الذاتية التي تجعلك تدرك قيمتك وأهميتك بعد عن هذا الصراع، كتابة يومياتك وما تشعر به، التحدّث إلى صديق تثق به.
الأمر ليس شخصيا، لا تبقي بالمسؤولية على نفسك، وتعتبر أنّ ما يحدث نتيجة لوجود عيب فيك، ولكنه اختيار من الشخص الآخر وخلل في تعامله مع مشاعره وأفكاره، وأن تدرك أنّ المشكلة ليست أنت، ولكنه الطرف الآخر الذي يحتاج إلى تطوير نفسه.
حافظ على هدوئك، فمن الممكن أن يبدو هذا طلب تعجيزي لا يمكن القيام به، في ظلّ التعرّض لهذا الكم من الإرهاق النفسي والعاطفي، ولكن حاول ألا تتأثر عاطفيا بما يفعله من تعمّد للصمت والتجاهل، والإصرار على إهانتك عاطفيا وإهمالك، فيمكن لهدوئك أن يستفزّه ويوضح وجهة نظرك بأنّ الصمت ليس هو الحلّ للتعامل مع المشكلة.
التعامل مع الصمت العقابي وفهم أسبابه ودوافعه يبدو مرهقا للصحة النفسية، ولكن إذا كنت تحرص على علاقتك مع الطرف الآخر فيجب أن تتحلى بالصبر، وتحاول أن تصحّح المسار، في ظلّ رعايتك لذاتية نفسك.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19550

العدد 19550

الأربعاء 21 أوث 2024
العدد 19549

العدد 19549

الثلاثاء 20 أوث 2024
العدد 19548

العدد 19548

الإثنين 19 أوث 2024
العدد 19547

العدد 19547

الأحد 18 أوث 2024