تحيي الشعوب الإفريقية المسلمة، شهر رمضان الكريم، كبقية المسلمين في جميع أنحاء العالم، بإضفاء أجواء خاصة تنم عن الاجتهاد في تأدية الواجب الديني وسلوك طريق التسامح والتضامن بين الصائمين ومع الأقليات الدينية الأخرى، رغم ما تمر به من أزمات سياسية واجتماعية قاسية.
يجمع المسلمون في كافة البلدان الإفريقية خلال رمضان بين الجوانب الروحية المرتبطة بالصوم والصلاة والدروس والمحاضرات الدينية والجوانب المرتبطة بالعادات والتقاليد الخاصة بها، والتي تمنح للشهر الفضيل رمزية التجدد وتقوية النسيج الاجتماعي.
وإن اختفلت نسبة المسلمين من دولة إلى أخرى، إلا أن حرصها على إعطاء رمضان ميزته الخاصة بين باقي الشهور تتشابه، فإشعال مصابيح المساجد وإعمارها بالمصلين وقراءة القرآن الكريم، وتزيين المنازل والشوارع، وقرع الطبول لإعلان موعد السحور، عادات راسخة ومتجدرة تجدر الدين الإسلامي الحنيف في القارة الإفريقية.
ولا يشكل تعدد الأقليات الدينية والعرقية في أية مدينة أو قبيلة افريقية عائقا أمام معتنقي الإسلام لممارسة شعائرهم، وبعيدا عن ضغائن التناحر ينصب الاهتمام على تلقين الدروس والتفاسير وإقامة حلقات دينية في المساجد، بين مواقيت الصلاة يلقيها الأئمة المحليون، القادمين من دول عربية وإسلامية.
من جانب آخر، تتشابه أحوال اللاجئين في المخيمات الحدودية مع شهر رمضان، ويضطرون للتعايش والتكيف مع التغيرات المناخية الصعبة ونقص المواد الغذائية وتدني شروط الحياة إلى أسفل الدرجات، وأصبح رمضان بذلك فرصة لاختبار حجم المساعدات الاغاثية الممنوحة من طرف الدول والمنظمات الإنسانية لإفطار صائمي المخيمات والنازحين.
وتجتمع العائلات الفقيرة في ساحات مفروشة ومراكز خاصة لتناول وجبة الإفطار التي يقدمها ميسورو الحال واللجان الناشطة في العمل الخيري، ويترك المسلمون في الكاميرون أبواب منازلهم مفتوحة طيلة أيام رمضان لاستقبال المحتاجين وعابري السبيل.
واستمد المسلمون الأفارقة عاداتهم هذه من تعاليم الدين الإسلامي، مع فجر الرسالة المحمدية عند هجرة جعفر بن أبي طالب ومن معه إلى الحبشة (اثيوبيا)، قبل أن ينتشر بين القرنين الأول والثاني الهجريين الموافق للقرن ٧ أو ٨ الميلاديين مع عقبة بن نافع.
وساهمت الطرق التجارية التي ربطت إفريقيا بشبه الجزيرة العربية كطرقي الحرير والملح، في وصول الإسلام إلى دول كثيرة احتضنته كدين وسطية واعتدال دون غلو أو تطرف وأعطت لإمام المسجد مكانة مرموقة في المجتمع، إذ يلعب دورا هاما في التأثير على الناس الذين لا يسمعون لأحد غيره في أمور الدين والمعتقد.
وتعد القارة الإفريقية من أكثر المناطق التي يعرف فيها الإسلام انتشارا واسعا، ويمثل المسلمون النسبة الأكبر في أقوى الدول على غرار نيجيريا بـ ٨٠ بالمائة و النيجر ٩٨ بالمائة.
قد ينسي شهر الصيام، فئات واسعة الشعوب الإفريقية المسلمة بأجوائه الروحانية المهيبة والعادات المتميزة مآسيها مع المجاعة والفقر والبطالة والحروب والأزمات التي دمرتها طيلة عقود طويلة، ولكنها سرعان ما تستيقظ على نفس الواقع بانتهاء اليوم الثاني من عيد الفطر.
وعلى الرغم من ذلك، تتشبث بخيط الأمل في الدعاء عشية كل رمضان في تغير الحال نحو الأفضل وزوال الهموم، وتحقق المطامح نحو مستقبل أفضل.
الشعوب الإفريقية المسلمة في الشهر الفضيل
عادات راسخة وفرصة لتجدد وتوطيد لحمة المجتمع
حمزة محصول
شوهد:779 مرة