احتلت بوركينافاسو في السنوات الأخيرة، مكانة هامة في القارة الإفريقية بفضل مساعيها المدعمة لقضايا السلام والتنمية المستدامة، بما ينسجم ومبادئ الاتحاد الإفريقي وقراراته، وعملت دائما على تقديم خطوات عملية لتقريب المواقف والرؤى بين أطراف النزاعات الداخلية للدول أو الخارجية فيما بينها، ويترجم هذا الجهد الدبلوماسي الحالة الداخلية للبلاد وتطلعاتها نحو التحسن والتقدم.
تصنف بوركينافاسو ضمن قائمة الدول الفقيرة والأقل نموا على الصعيدين الإفريقي والعالمي لضعف نسيجها الاقتصادي وشُح الموارد الأولية التي تشكل عصب اقتصاد العديد من الدول، ولكونها دولة لا تملك أية واجهة بحرية وتحاذي الصحراء الإفريقية الكبرى، كان من الصعب إطلاق نهضة اقتصادية ناجحة ودفع سكانها للتكيف مع الواقع والعيش بأبسط الوسائل، أما الحكومات فلم تتوقف عن خلق وتطوير القطاعات الضرورية لتمويل خزينة الدولة وسد الحاجيات الأساسية للمواطنين.
وفرضت قلة البدائل والخيارات اعتماد الزراعة والرعي كأهم مصدرين لتحريك الاقتصاد، إلى جانب مناجم الذهب وبعض منابع البترول كمادتين أولتين تشكلان ركيزة ثانية لرفع الدخل الوطني، وجعلت المخاطر المناخية من القاعدة الاقتصادية لبوركينافاسو هشة، فحجم الإنتاج الزراعي والرعي تتحكم فيه عوامل التساقط والجفاف وهذا ما كان يضاعف حجم التحديات في كل مرة.
ورغم ذلك بقي الوضع الاجتماعي في البلاد يطبعه الهدوء النسبي مقارنة بما تعرفه المجتمعات الإفريقية الفقيرة من تصاعد حاد لأعمال العنف يغذيه فساد في السلطة وصراع على القوة والنفوذ كلما حلّ موعد أية انتخابات.
ومسايرة لما تطمح إليه القارة الإفريقية ككل وضعت المستعمرة الفرنسية القديمة أهدافا وبرامج للتنمية في السنتين الأخيرتين، تعتمد على مقومات داخلية ترتبط بترشيد التسيير ونجاعة التخطيط وصدق النوايا وأخرى خارجية ترتبط بالدعم الدولي والتنسيق الجهوي الإقليمي.. النتائج الايجابية السريعة لهذه البرامج أعطت دفعا أكبر للسلطة الحاكمة، وهيأت لها مناخا مناسبا للعب دور محوري في الوساطة بين أطراف النزاع في مالي وغرب إفريقيا.
وعقب استقرار الوضع الاجتماعي سنة ٢٠١١ تم إقرار برنامج للتنمية الاقتصادية يعتمد على تنظيم استغلال الموارد الطبيعية خاصة الزراعة، وتقليل ارتباط البلد بالذهب والقطن وتعزيز التنافس والتجارة الجهوية والبنى التحتية وترقية قطاع التكنولوجيا والاتصالات.
وتوّقعت تقارير اقتصادية متخصصة في الشأن الإفريقي أن يتراوح الناتج الخام المحلي لهذه السنة بين ٦ و٧ بالمائة، ما يعني استمرار المنحى التصاعدي للنمو، ويعوّل على منجم الذهب ''بيسا غولد'' الذي دخل حيز الاستغلال شهر جانفي الماضي، وتقدر مساهمته في خزينة الدولة بـ ٥٦ مليار فرنك إفريقي، وتفوق مدة استغلاله ١٠سنوات، كما يحتوي على احتياطي يقدر بـ ٥٧ طن من الذهب.
أما الرئيس باليس كومباوري وحكومته فيسعى إلى حل الأزمة في مالي على غرار دول الجوار ولا يدخر أي جهد لتقريب المواقف بما يحفظ الوحدة الوطنية والترابية للدولة المالية يحقن دماء الشعب الواحد، ويعلم كومباوري أن تداعيات تردي الوضع الأمني في الساحل خطيرة على بلاده حيث سيثقل ارتفاع النفقات العسكرية كاهل الخزينة ويؤثر على استخراج المواد الأولية إلى جانب مخاطر انتقال الاعتداءات الإرهابية إلى التراب البوركينابي.
كما يعتبر تحسين العدالة والحكم الراشد ورشات تستدعي اهتماما كبيرا لتعزيز الأمن الوطني الداخلي وإرساء السلم الاجتماعي، وقد يكون التخلص من الفقر في غاية الصعوبة لكن توفير المناخ السياسي الضروري والاستفادة من استثمارات أجنبية مربحة واتساع حجم التعاون الإقليمي مع دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا يجعل الأمر ممكنا.