الحيـاة بـدأت تعـود تدريجيا لمدن الشمال
وضعت الأمم المتحدة منذ تفاقم الأزمة الأمنية والانسانية في مالي، مقاربة شاملة تقوم على الحل السياسي عبر المصالحة بين جميع الأطراف. ومنحت الأولوية لتنمية مستدامة تذلّل الظروف القاسية التي يكابدها سكان إقليم الشمال قبل وبعد الحرب. وتعترف كل الأطراف الداخلية والخارجية للأزمة بأنّ شعور مواطني الشمال بالحرمان جراء انعدام المرافق ومشاريع البنى التحتية، كانت سببا رئيسيا في تعميق الشّرخ بين شعب البلد الواحد.
منع هجوم الجماعات الإرهابية على منطقة التماس (مدينة كونا) بين شمال مالي وجنوبها هيئة الأمم المتحدة من إعداد خطة تنموية قصيرة أو متوسطة المدى وأدى إعلان فرنسا الحرب من جانب واحد دون إذن المجموعة الدولية إلى تعطيل هذه المخططات التي تشكّل عماد الحل النهائي والتوافقي للازمة، فلا يمكن تجسيد مصالحة بين مختلف الشرائح والأطياف في ظل شعور البعض بالظلم والتهميش وعدم المساواة في توزيع الثروة، ولا تملك السلطات الانتقالية المالية غير إطلاق مشاريع تنموية وتجسيد وعودها، وعدم منح أي فرصة للتوتر وبعث الخلافات.
وبعد خمسة أشهر من الحرب التي أدّت إلى طرد المجموعات الإرهابية من مدن الشمال، بدأت المقاربة التنموية تفرض نفسها على الحكومة المالية والمجموعة الدولية، وقام الرئيس الانتقالي ديونكوندا تراوري بإعداد برنامج الخروج من الأزمة تناهز قيمته ٤ مليار دولار.
ونجحت قمة الدول المانحة لتنمية وتطوير مالي، التي انعقدت نهاية الأسبوع الماضي ببروكسل في توفير مبلغ فاق كل التوقعات بعد أن كان طموح الوفد المالي جمع ٢ مليار أورو كأقصى تقدير، لكن سخاء الشركاء فاق كل التوقعات وبلغت القيمة الإجمالية المحصلة ٣ مليار و٢٥٠ مليون أورو، لتمثل بذلك ٨٠ بالمائة من تكلفة البرنامج الشامل.
شكّل نجاح ندوة بروكسل مفاجأة سارة للسلطات الانتقالية في مالي بعد مخاوفها من تكرار قمة أديس أبابا التي كانت غايتها جمع الأموال لتمويل الحرب، ولم يصل ما تقدمت به الدول المانحة آنذاك نصف القيمة الإجمالية، ما يعني أنّ المجموعة الدولية مستعدة لتمويل مشاريع التنمية والعمل على تكريس المقاربات السلمية لضمان الاستقرار، ولا تبدي ذات التحمس لتمويل الحروب لأنّها الوسيلة الأسوأ لعلاج المشاكل التي لها أبعاد إنسانية واجتماعية عميقة.
ومنح الاتحاد الأوروبي ٥٢٠ مليون أورو لصندوق دعم التنمية والتطور على مدى سنتين، مقدّما بذلك أكبر مساهمة ضمن مجموع المشاركين في الندوة رغم حالة الركود الاقتصادي التي يمر بها، والتزمت فرنسا لوحدها بـ ٢٥٠ مليون أورو، مبلغ قال بشأنه الرئيس ''فرنسوا هولاند'' أنّه تطلّب مجهودا كبيرا نظرا للوضعية الصعبة التي تمر بها بلاده، لكن الغاية من وراء ذلك هي تبييض صورة الجمهورية الفرنسية من خلال الاهتمام بالجوانب الأمنية والتنموية بنفس القدر، وتدخل الزيارة الانسانية لرفيقة هولاند ''فاليري تريرفايلر'' بدعوة من الرئيس ''مينتو تراوري'' زوجة الرئيس الانتقالي لمالي إلى مدينة غاو.
وساهم البنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية والتطور بمبلغ ٢٥٠ مليون أورو، بينما تفاوتت منح باقي الدول والمؤسسات التي بلغ عددها ١٠٨.
وفور انتهاء أشغال قمة بروكسل وسط إشادة واسعة، نادت بعض الأصوات بضرورة متابعة الأموال التي تم رصدها والتأكد من تجسيدها في مشاريع تنموية تحقق المنفعة العامة للشعب المالي، وهو ما يضع السلطات المالية أمام اختبار هام، يفرض عليها الشروع في تطهير مؤسسات الدولة من الفساد والرشوة، ينهي الحكم الراشد.
من جانب آخر، بدأت بوادر الحياة تعود إلى سابق عهدها تدريجيا في مدينة تمبكتو شمال مالي، بعد استئناف الدراسة وعودة أعداد معتبرة من النازحين، حيث قامت ثلاث منظمات اليونيسيف وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة، بزيارة إلى المدينة للاشراف على إطعام ٣٠ ألف تلميذ بسب النقص الشحيح في المؤن ومساعدة الفلاحين.