تحول الهاجس الأمني في تونس، كما هو الشأن في الدول التي شملها ما يسمى بالربيع العربي، إلى الأول على سلّم الإهتمامات على حساب التنمية والمشاريع الإقتصادية الخالقة للثروة ومناصب الشغل التي من شأنها التأسيس لمجتمعات منسجمة وآمنة. الشيء الذي بدأت تفقده تونس المهدّدة اليوم في إقتصادها وإستقرارها جرّاء الهزّات الأمنية التي عرفتها منذ اغتيال المعارض شكري بلعيد وبداية مسلسل العنف في البلاد وما تخلّله من مواجهات وصلت إلى مواجهات مسلحة في جبل الشعابني بين مسلحين وقوات الأمن التونسية التي اشتبكت، أمس، كذلك مع مناصري التيار السلفي عند محاولتها تفريقهم إثر تجمع في (حي التضامن)، أين يستقرّ الكثير من المتعاطفين مع التيار السلفي في تونس، وقد استعملت قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع لتفريق تجمع «أنصار الشريعة»، وتعتبر الخطوة مراوغة من قبل الجماعة السلفية بتغيير مكان المؤتمر بعدما وقع الإختيار على مدينة القيروان (١٥٠ كلم) جنوب العاصمة لما تحمله من رمزية دينية في تونس، حاولت الجماعة إستغلال البعد التاريخي والديني للقيروان، بعقد مؤتمرها هناك، إلا أن السلطات التونسية، كثّفت التواجد الأمني في المدينة وأغلقت كل المنافذ البريّة المؤدية إلى هناك، كما حوّمت طائرات هيلوكوبتر تابعة للجيش التونسي من أجل مراقبة الأوضاع من الجوّ.
في حين انتشرت قوات خاصة في محيط جامع «عقبة بن نافع» التاريخي، حيث كانت جماعة «أنصار الشريعة» تعتزم عقد مؤتمرها أمس، إلا أنها سرعان ما نشرت على موقعها الإلكتروني بيانا طالبت فيه أتباعها بعدم التوجه إلى القيروان وإلغاء كل الرحلات المنظمة لهذا الغرض من كل الولايات والمحافظات التونسية كما أعلنت على صفحتها في «الفايسبوك» أن الشرطة التونسية اعتقلت سيف الدين الرايس، المتحدث الرسمي بإسم جماعة أنصار الشريعة المتشددة.
إن حركة النهضة الحاكمة في تونس، والتي كانت تستعمل لهجة ليّنة مع التيار السلفي في البداية، أخذت تتعاطى بحزم أكثر مع هذا التيار، خاصة بعد أحداث جبل الشعانبي وبداية تنامي الفكر المتشدد في البلاد بين أوساط التيار السلفي الذي تمثله «أنصار الشريعة»، خاصة وأن من بين القادة الكبار لهذا التيار في تونس، المدعو أبو أياد (سيف اللّه بن حسين)، وهو من العائدين من أفغانستان والمقاتلين في صفوف القاعدة، والذي لم يعثر له على أثر، بعد الهجوم على السفارة الأمريكية في سبتمبر الماضي، الشيء الذي أدّى بالحكومة التونسية إلى الاعتراف بداية شهر ماي الجاري بتواجد عناصر من القاعدة على أراضيها، ما يعني أن تونس ستعرف جولات أخرى من المواجهة مع التيار السلفي المتشدد والمتنامي في البلاد.
بعد منع أنصار الشريعة من عقد مؤتمرها
اشتداد القبضة الحديدية بين الحكومة والتيار السلفي في تونس
أمين بلعمري
شوهد:905 مرة