السـودان

دولــة قويـة حطمتهـا المــؤامـرات

¯ حمزة محصول

كانت السودان، اكبر الدول الإفريقية والعربية مساحة، وأكثرها ملائمة لقيام مشاريع تنموية كبرى، ومركزا لتعايش التعدد الإنساني والتنوع الثقافي. قبل أن تنال منها الاضطرابات السياسية، التي كبحت الجهود المبذولة لتجاوز التحديات و أدت إلى تفتت وحدتها قبل عامين، مثلما كان مبرمجا في أجندات التخطيط الاستراتيجي لبعض القوى.ومع ذلك لازالت تحتفظ بكل خصائص التطور والتقدم.

يجمع اغلب العارفين والمختصين في الشأن السوداني، أن مشكلة جنوب السودان ، وصعوبة إطلاق النهضة التنموية بالبلاد، هي المسائل  الرئيسية، التي حالت دون إرساء استقرار امني وسياسي في هذه الدولة العربية، ذات الموقع الاستراتيجي الهام، والتنوع الثقافي والديني والعرقي المتعدد، وفرضت نفسها كتحديات استعصى على الحكومات المتعاقبة حلها، بما يحفظ وحدة البلد الوطنية والترابية، وكانت دائما وقود الاضطرابات وحركات التمرد في اكبر المحافظات. ترابط هذه المحاور، كشف عنه التسلل التاريخي للأحداث الدامية،  وحرب العقود الأربعة. وتعود أزمة جنوب السودان إلى ماقبل استقلال الدولة عن مصر و بريطانيا في الفاتح جانفي من عام ١٩٥٦، وكانت الوفود الممثلة للشمال والجنوب قد اتفقت قبل هذا التاريخ وبعده في أكثر من مناسبة، على خيار وحدة الوطن وتعزيزها بتسخير كل الجهود لذلك، وتعارض قرار الوحدة هذا، مع رغبة الاحتلال البريطاني والولايات المتحدة وإسرائيل التي  دعمت  انفصال الجنوب عن الشمال بحثا عن مصالحها الحيوية، والإبقاء على مبررات تدخلاتها الدائمة في المنطقة.
وأدى البحث الدائم عن الدستور، بعد أن استعصى وضعه على النخب السياسية، بسبب  صراع القوى السياسية المتناقضة، إلى تصدع جدار الوحدة، وتأخر مشاريع التنمية واستمرار معاناة السكان، الأمر الذي أعطى الفرصة للانفصاليين الجنوبيين  ومسانديهم من الأطراف الخارجية للعمل على تفتيت الصف، والرفع من حدة التوتر، وتعمق الشرخ أكثر بعد وصول حزب المؤتمر الوطني ذو التوجه الإسلامي إلى الحكم عام ١٩٨٩، وزاد في تأجيج الخطابات العدائية بين الأغلبية الشمالية المسلمة والأغلبية الجنوبية المسيحية، اخذ معه الصراع بعدا دينيا.  إلى أن أنهت اتفاقية السلام الشامل بنيفاشا بكينيا عام ٢٠٠٥، حرب الخمسين سنة، وتضمنت البند الذي يتيح للجنوب ڤتقرير مصيره عن طريق استفتاء شعبيڤ، اجري في التاسع جانفي ٢٠١١، وصوت أهل الجنوب لصالح الانفصال وإقامة دولة جديدة سرعان ما حظيت بالاعتراف الدولي، ووعود تقديم الدعم الكامل لبنائها، قبل أن تتوجه المساعدات المالية إلى اقتناء الأسلحة وتقوية الجيش، فيما همشت الجوانب التنموية، ونتج عن الانفصال فقدان ميزة السودان كأكبر قطر أفريقي وعربي، و الموقع الجيوسياسي الاستراتيجي كرابط ومتوسط بين شرق وجنوب وشمال القارة الأفريقية .وفقدان  حقول النفط التي مثلت الأساس للتنمية الاقتصادية في العقد الأخير، وبرزت تداعيات جديدة مستعصية.
وشكل السودان بهذا ولازال بؤرة صراع، تحركها الأيادي الفاعلة في السياسية الدولية، لتحقيق أهداف إقليمية على المديين المتوسط والبعيد، وراح ضحية موقعه وأهميته على خارطة الأمن القومي العربي والإفريقي، والثروات النفطية والمعدنية كغيره من الدول الضعيفة، ولن يعرف الطريق نحو الخروج من أزماته إلا بتوافق داخلي متين، ومصالحة وطنية شاملة تراعي المصالح العليا لشعبه، وتذوب فيها كل الأقليات القبلية والدينية، واستغلال هذا التعدد في تقوية أركان الدولة. و للسودان من النخب السياسية والمثقفة التي تضع خارطة الطريق المناسبة، بدعم حثيث من الدول العربية والإفريقية القوية. ورغم التكالب الأجنبي على ارض السودان، من الحكومات والمنظمات التي تلونت في ثوب الإغاثة الإنسانية لتمرير الدسائس والمكائد، و لم يفقد من مقوماته إلا جزءا من مساحته الترابية، وبإمكانه بلوغ المراتب الاقتصادية والسياسية المؤهل لها، بقطع أشواط كبيرة وجهود مضنية لكنها ليست مستحيلة  .

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024