نحـن شعــب واحــد...وعلينا استعـادة استقلالنا الكـامــل

¯ حمزة محصول

تابعت إفريقيا مراسم تشييع  الرئيس الفنزويلي، هوغو شافيز فرياس، إلى مثواه الأخير، وبَكَتْه شعوبها  شعبه، وودّعته كما ودّعت كبار زعمائها الذين خلّدوا أسماءهم في تاريخها القديم والحديث المعاصر، كونه زعيما في قارة أمريكا اللاّتينية، لم يمنع الأفارقة من احتضانه كواحد منهم، كيف لا وقد حمل همّهم وناضل من أجلهم، ودافع واقترح الحلول الذاتية السيادية للخروج من عتمة التخلف والجهل والتبعية، بالاعتماد على الذات والاتحاد، من أجل مستقبل أفضل وعدالة اجتماعية شاملة.
كان لوفاة الزعيم هوغو تشافيز بعد معركة مع مرض السرطان دامت عامين، أثرا بالغا لدى كامل رؤساء الدول والحكومات، سواء من تربطهم به علاقة صداقة وأخوّة، أو من يخالفونه في التوجه والقناعة، كبعض قادة الدول الأوروبية والولايات المتحدة، التي شهدت له بجهوده الجبّارة وسعيه نحو التطور وإحقاق العدالة، أما الدول الإفريقية فتلقّت نبا وفاته كما لو كان واحدا من زعمائها، وثمّنت خصاله وتطلّعاته المنسجمة مع آمالها في النهوض والتقدّم. وتداولت كل الوسائل الاعلامية الافريقية رسالته الأخيرة  لقادة القارة السمراء وعمدت إلى تحليلها والتمعن فيها، لإيجاد السر الكامن وراء تعلّق تشافيز بالقارة السمراء، ودعواته المتكررة إلى توحيد شعب أمريكا اللاتينية والشعب الافريقي،
تعود الرسالة إلى الـ ٢٢ فيفري ٢٠١٣ أي أياما قليلة قبل وفاته، وكانت بمناسبة المؤتمر الثالث لدول إفريقيا ــ أمريكا اللاتينية والكاريبي، الذي احتضنته غينيا الاستوائية.
شدّد الرئيس هوغو تشافز في رسالته بعد أن أبدى أسفا عميقا عن تعذّر حضوره شخصيا بسبب المرض، على وحدة الشعبين الافريقي والأمريكو ــ لاتيني، اللّذين تجمعهما روابط تاريخية وروحية يؤكدها الواقع الاجتماعي والسياسي، الذي ينبغي فهمه جيدا، قائلا: ''إنّنا شعب واحد، ونحن مجبرون على الالتقاء خارج أطر الخطابات الرسمية''.
ويرى الزعيم البوليفاري الراحل أنّ قارته تتقاسم مع إفريقيا، ماضي الاضطهاد والعبودية منذ مئات السنين، فقد ارتوت أرض أمريكا اللاتينية بدماء ملايين الأفارقة الذي قتلوا بعد استغلالهم وتعذيبهم من طرف المستعمرين، ويعتبر أنّ هذا الماضي المشترك أكثر من مبرر لتقوية الارادة في الوحدة والاتحاد، بالاعتماد على الذات، مؤكدا أنّه ''علينا أن لا ننتظر شيئا من غير أنفسنا''.
كما تكشف الرسالة عن وعي الرئيس تشافيز بأنّ كل المشاكل التي تتخبّط فيها دول إفريقيا وأمريكا الجنوبية، سببها الاستعمار والليبرالية، مشيرا أنّه ''علينا توفير الشروط التي تسمح لنا بإخراج شعبنا من التيه الذي رماه فيه الاستعمار، وبعده الرأسمالية والنيوليبرالية في القرن العشرين''، وهنا يؤكد تعلّقه الكبير بالحرية والتحرر الكامل، ودعوته الدائمة لبناء علاقات متوازنة مع القوى الاستعمارية، التي لا يتردّد أبدا في تحميلها هذه المسؤولية ومطالبتها بالكفّ عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
ويعتقد جازما أنّها المتسبّب الرئيسي في عرقلة العمل الذي بدأته دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية، بسبب الرغبة الجامحة لرموز الامبريالية في الهيمنة على العالم وتحطيم كل التحالفات التي تقصيها، قائلا ''إنّ الأمر ليس محض صدفة، أقولها وأتحمّل كامل مسؤوليتي، منذ مؤتمرنا الأول أصبحت إفريقيا ضحية تدخلات عديدة وهجمات متنوعة من طرف القوى الغربية، التي منعت كل فرص الحلول السياسية للصراعات الداخلية التي تعيشها بعض الدول الافريقية، محاولة منها عرقلة مسار تعزيز وحدة الشعوب الافريقية''.
ويقول الرئيس هوغو تشافيز أنّه منذ القرن ١٩ عمدت الاستراتيجيات النيوكولونيالية إلى تقسيم الأوطان الهشّة الضعيفة في العالم، من أجل إقامة علاقات تقوم على الاستعمار والعبودية، وعلى هذا الأساس يعارض دائما تدخلات هذه القوى عسكريا في حلّ النزعات من أجل خدمة مصالحها الضيقة، ولا تزيد إلاّ من متاعب الشعوب الضعيفة لأنّه يستحيل أن تملك كل الحلول لجميع المشاكل في العالم كما تعتقد.
وبثقته المعتادة، يؤكّد للقادة المشاركون في مؤتمر التعاون جنوب ــ جنوب أنّ ''الثروات الطبيعية التي بحوزتنا، يمكن أن تكون حلولا ناجعة لكثير من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى البيئية، الناتجة عن الفوضى الحاصلة في العالم''، و''علينا أن نشقّ طريقنا نحو الاستقلال النهائي، وأن نكون قارة واحدة وشعبا واحدا، مهما كان الثمن وحينها سيكون الباقي هينا''، يقول تشافيز.
ومن الكلام الذي سيبقى خالدا عن هذا الزعيم، قوله: ''كنّا نعتقد أنّ أصولنا تنحدر من إسبانيا، لكنّنا اكتشفنا أنّ إفريقيا هي موطننا الأصلي، وأنا متأكّد أنّها ميلاد الانسانية''.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024