امتلأت شوارع مدن مغربية كبرى بينها الدار البيضاء والرباط وطنجة ومكناس، السبت، بحشود من الشباب الذين استجابوا لنداءات أطلقتها مجموعة رقمية جديدة تدعى “جيل (زد).. صوت شباب المغرب” ظهرت بشكل مفاجئ على تطبيق “ديسكورد”، واستقطبت آلاف الشباب في أيام قليلة، رافعة مطالب اجتماعية صرفة: تحسين التعليم العمومي، تجويد خدمات الصحة، وفتح آفاق التشغيل أمام جيل يعاني من نسب بطالة قياسية.
قوبلت المحاولات بتنظيم احتجاجات بانتشار أمني كثيف، أدى إلى قمع الجموع الغاضبة وتوقيف عدد كبير من الشبان.
ورغم إجهاض الحركة الاحتجاجية، فإن المراقبين يرون بأن مبادرة الشباب المنتفض تكشف عن مخاطر وتحولات أعمق، إذ تضع المغرب في قلب موجة عالمية من احتجاجات جيل “زد” التي اندلعت في نيبال وسريلانكا وبنغلادش وإندونيسيا وفرنسا، وكلها حركات مفاجئة، بلا قيادة تقليدية، تستند إلى أدوات رقمية وتطالب بالكرامة والعدالة الاجتماعية.
في السياق المغربي، لا يمكن فصل هذه التعبئة الناشئة عن احتقان اجتماعي متراكم منذ قمع حراك الريف عام 2017، الذي مثّل نقطة تحول في علاقة الشباب بالشارع والسياسة. هذا الغضب برز مجدداً في الأشهر الأخيرة عبر “حراك المستشفيات”، حين اندلعت احتجاجات محلية أمام مستشفيات عدة بسبب تردي الخدمات الصحية. كما شهدت مدن مختلفة وقفات احتجاجية على غلاء الأسعار، وخرجت مسيرات شعبية في القرى والبوادي للمطالبة بالماء الصالح للشرب والطرق والمدارس والأطباء، إلى جانب تنامي مظاهرات شبه أسبوعية ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني. هذه التراكمات تجهز على الرواية الرسمية التي لخصها رئيس الحكومة المخزنية في آخر خروج إعلامي له عندما قال بأن “المغاربة فرحانين” بإنجازات حكومته، وتكشف أن جيلاً جديداً يخرج عن صمته، وإن بجرعات صغيرة، في ظل انسداد سياسي أوسع.
أزمـة سياسيـــة صامتــة
تزامن خروج هؤلاء الشباب مع ما يصفه مراقبون بالأزمة السياسية الصامتة في المغرب. فالأحزاب والنقابات تعاني من ضعف تنظيمي وفقدان المصداقية، والفضاء السياسي أفرغ من المعارضات القوية التي كانت تؤطر الغضب الاجتماعي. في المقابل، رسّخت السلطة مقاربة أمنية قائمة على الاعتقالات والتضييق على الحريات الفردية والعامة، ما ساهم في تجريف السياسة وتعميق الهوة بين المواطنين ومؤسسات الدولة. النتيجة أن المغاربة باتوا يشعرون بغياب مخاطب سياسي حقيقي، وفقدوا الثقة في المؤسسات التقليدية. هذا الفراغ هو ما يفسّر بروز مبادرات رقمية مثل “جيل (زد) ″، التي تقول إنها تدافع عن مطالب إصلاحية من داخل الدولة، لكنها في الوقت ذاته تعبّر عن انهيار الثقة في القنوات الرسمية.
المشهد المغربي لا ينفصل عن موجة احتجاجات شبابية عالمية في نيبال وبنغلادش وسريلانكا وإندونيسيا ومؤخرا في فرنسا، حيث حشدت حملة “ لنقطع كل شيء” أكثر من 170 ألف شخص في 10 سبتمبر ضد سياسات ماكرون التقشفية، في مشهد بلا قيادة تقليدية، يلتقي مع الدينامية الشبابية الجديدة.
كــلّ الظــروف مهيّـــأة للانفجـار
هذه الدينامية الاحتجاجية انتقلت إلى دول أفريقية عدة من نيجيريا إلى موزمبيق، ومؤخرا مدغشقر، والآن المغرب، حيث تبرز حركات شبابية غير مركزية تتحدى السلطة القائمة، مدفوعة بطاقة رقمية غير مؤطرة تنظيميا.
وبالنسبة للحالة المغربية، يأتي هذا الحراك في السنة ما قبل الأخيرة للحكومة الحالية، التي تواجه أصلاً انتقادات حول تراجع مؤشرات النمو وضعف الخدمات العمومية وتفشي البطالة واستشراء الفساد في جميع مفاصل الدولة والمجتمع. ويرى مراقبون أنه في حال تجاهل مطالب الشباب ومواجهة التحركات بالقمع، كما يحصل هذه الأيام، فإن كرة الثلج التي بدأت بالتدحرج لن تتوقف، وأن التعبئة الرقمية المحدودة قد تتحول تدريجياً إلى حركة اجتماعية أوسع يصعب التحكم فيها، خاصة إذا تراكمت خيبات الأمل.
تصعيد غير مسبوق ضد المحتجين
في الأثناء، أدانت هيئات حقوقية وسياسية مغربية حملة الاعتقالات والقمع الذي يطال احتجاجات شبابية سلمية رفعت مطالب اجتماعية.
وقالت الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين (همم) في إحاطة عاجلة إنها تتابع بقلق بالغ التدخلات السلطوية ضد احتجاجات سلمية، مشيرة إلى “تعنيف المحتجين واستعراض هائل للقوة في الفضاءات العامة، والمنع من ولوج الساحات، وتوقيفات كثيرة في صفوفهم”. وأضافت أن عدد الموقوفين ما زال قيد الحصر، مطالبة بإطلاق سراحهم جميعا ووقف التعسف على حق المواطنين في التظاهر.