نجـاح في توحيد الخطــاب العربــي والإفريقي بشـأن أم القضايـا
منذ انتخاب الجزائر عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي، كثّفت دبلوماسيتها نشاطها داخل أروقة المنظمة الأممية، واضعة القضية الفلسطينية في قلب جدول أعمالها وتحركاتها، وباشرت فوراً في تحويل هذا المنبر إلى منصة للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وحشد الاعتراف الدولي بدولته.
منذ بداية عهدتها داخل مجلس الأمن، وضعت الجزائر الملف الفلسطيني في صدارة أجندتها، مؤكدة أن مهمتها لا تقتصر على إدانة العدوان، بل تعمل على الدفع نحو ترجمة التضامن العالمي إلى اعتراف سياسي وقانوني بحق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة.
حرص الوفد الجزائري في الجلسات المفتوحة لمجلس الأمن على إبراز أن استمرار الاحتلال الصهيوني ليس شأناً إقليمياً، بل تهديداً مباشراً للسلم والأمن الدوليين، وبالتالي فإن على المجلس تحمّل مسؤولياته تجاه فرض احترام القانون الدولي.
هذه المقاربة جعلت من الجزائر الممثل الأكثر صراحة في فضح ازدواجية المعايير التي عطّلت لعقود صدور قرارات ملزمة تنهي الاحتلال الصهيوني. ومع كل مشروع قرار يُقدَّم حول وقف الحرب أو حماية المدنيين في غزّة، كانت الجزائر تدفع باتجاه تضمين النصوص إشارة واضحة إلى الحل النهائي القائم على إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
لكن تحركات الجزائر لم تقتصر على مجلس الأمن، فقد استثمرت مكانها الجديد لقيادة حملة دبلوماسية واسعة داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تدرك أن هذه الهيئة لا تخضع لحق النقض وتسمح بترجمة الإرادة الجماعية للأغلبية الساحقة من الدول.
وعملت الجزائر على تنسيق المواقف داخل مجموعات وازنة مثل حركة عدم الانحياز، والاتحاد الإفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، لضمان تمرير قرارات تمنح فلسطين مزيداً من المكانة داخل الأمم المتحدة. وهو ما تُرجم مؤخراً بقرارات اعتمدتها الجمعية العامة منحت فلسطين حقوقاً إضافية في المشاركة، اعتُبرت خطوة متقدمة نحو العضوية الكاملة.
في الكواليس، نشّطت الجزائر دبلوماسية ميدانية عبر وفودها وسفرائها، مركّزة على إقناع أكبر عدد ممكن من الدول، وخاصة في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا، بأن الاعتراف بفلسطين لم يعد مجرد موقف سياسي، بل ضرورة أخلاقية وقانونية.
وقد كشفت مصادر دبلوماسية أن الجزائر لعبت دوراً محورياً في تشجيع العديد من البلدان على اتخاذ قرار الاعتراف الرسمي بفلسطين، وذلك من خلال لقاءات ثنائية وتنسيق ضمني مع حركات شعبية وجمعيات ضغط كانت تدفع في الاتجاه نفسه.
فخلال النقاشات الأممية الأخيرة، لم يتردد المندوب الجزائري في التأكيد على أن مشاهد الدمار في غزّة والمجازر ضد المدنيين فرضت على الدول مسؤولية تاريخية، وأن الاعتراف بفلسطين هو الرد السياسي والقانوني الأكثر انسجاماً مع قيم العدالة الدولية.
هذه اللغة القاطعة وجدت صدى واسعاً لدى وفود عدة دول، الأمر الذي يفسر التزايد الملحوظ في موجة الاعترافات. وإلى جانب عملها داخل أجهزة الأمم المتحدة، وظّفت الجزائر موقعها لتوحيد الخطاب العربي والإفريقي بشأن فلسطين، مدركة أن وحدة الموقف داخل هذه التكتلات تمنح زخماً إضافياً للمعركة الدبلوماسية.
ففي الاجتماعات المشتركة للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، كانت فلسطين دائماً محور كلمة الجزائر، التي شددت على أن القارة الإفريقية لا يمكن أن تظل صامتة إزاء استعمار استيطاني يمارس أبشع الانتهاكات.
هذه الإستراتيجية عززت الجبهة المؤيدة لفلسطين، وأعادت الزخم إلى مبدأ «التصويت الجماعي» الذي يُصعّب على القوى الكبرى عزل القضية الفلسطينية.
إن ما تقوم به الجزائر داخل الأمم المتحدة ليس مجرد تحرك عابر يرتبط بظرف سياسي محدد، بل هو إستراتيجية متكاملة تهدف إلى إعادة تشكيل موازين النقاش الأممي حول فلسطين.
استطاعت الجزائر، بفضل خطابها الواضح ومواقفها الصلبة، أن تفرض على مجلس الأمن والجمعية العامة التعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها اختباراً حقيقياً لمصداقية الشرعية الدولية.
تمارس الجزائر دبلوماسية تقوم على بناء التحالفات، وتعبئة الرأي العام، وربط الملف الفلسطيني بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وهو ما جعلها تحظى باحترام متزايد حتى من وفود الدول التي لم تكن تُعرف تاريخياً بمواقف داعمة لفلسطين.
إن ما تقوم به الجزائر حالياً داخل الأمم المتحدة يتجاوز مجرد التضامن اللفظي، إذ إنها تعمل وفق إستراتيجية متكاملة تقوم على ثلاثة محاور: أولها فرض القضية الفلسطينية كبند دائم في النقاشات الأممية، وثانيها الدفع نحو قرارات عملية تمنح فلسطين حقوقاً إضافية داخل المنظمة، وثالثها حشد الاعترافات الثنائية والمتعددة الأطراف بالدولة الفلسطينية. وبذلك نجحت الجزائر في تحويل عضويتها غير الدائمة إلى ورقة ضغط فعالة لإعادة الاعتبار لحق الفلسطينيين في دولة مستقلة.