في زمن يتحوّل فيه الذكاء الاصطناعي إلى محرّك أساسي للاقتصاد العالمي، ويُعاد فيه رسم موازين القوة بناءً على من يتحكّم في الخوارزميات والبيانات، يجد المغرب نفسه على هامش السباق، رغم كل ما يُضخّ من أموال ومشاريع ورقية تحت عنوان الرّقمنة والإبتكار
تقرير “أبيكس 2025″، الصادر عن مؤسّسة دولية مرموقة، سلّط الضوء على مدى فعالية الأنظمة البيئية لريادة الأعمال في مختلف الدول، بناءً على مؤشّرات موضوعية تأخذ بعين الإعتبار حجم السكان والناتج الداخلي الخام. وكانت النتيجة صادمة: المغرب جاء في خانة الدول التي يتراوح ترتيبها بين المرتبتين 21 و36، دون أيّ تميّز أو بصمة واضحة، ما يُظهر محدودية السياسات المعتمدة، وعجزها عن خلق منظومة رقمية حقيقية.
هذا الترتيب المتأخّر يكشف أنّ المشاريع الرّقمية، التي أطلقتها الحكومات المتعاقبة لم تكن سوى عناوين بلا مضمون، واستهلاكاً للميزانيات دون أثر ملموس على أرض الواقع. فرغم الحديث المتكرّر عن برامج الرّقمنة والتحوّل الرّقمي، تبقى البنية التحتية للمجال هشة، والتشريعات غائبة، والدعم المؤسّسي باهتًا، بينما تتسارع دول أخرى نحو تموقع عالمي حقيقي في مجالات الذكاء الاصطناعي والإبتكار التكنولوجي.
الأمن الرّقمي في مهبّ الريح
والأدهى من ذلك أنّ المغرب، بدل أن يُعرف كمصنّع للذكاء الاصطناعي أو مصدر للحلول التقنية، بات يُعرف أكثر بفضائح الإختراقات المتكرّرة للمواقع الحكومية والمنصات الرّقمية العمومية، وبفشل ذريع في تأمين السيادة الرّقمية، في وقت تتحدّث فيه الحكومات عن “رقمنة الدولة” و«تحسين الخدمات العمومية”.
النتيجة واضحة: غزوات إلكترونية، مواقع تخترق، وبيانات تتسرّب، في ظل صمت حكومي غير مبرّر، واكتفاء بتصريحات إعلامية لا تُسمن ولا تغني من أمن رقمي.
إخفاق في مواكبة التحوّلات التكنولوجية
فما الفائدة من ضخّ الملايير في وزارات الرّقمنة، إذا كان المواطن المغربي يظل مهدّدًا في معطياته، والبلاد تفتقر إلى أبسط مقومات الحماية السيبرانية؟
ولماذا كل هذه الخطط المعلّبة، إذا كانت الحاضنات الرّقمية تعاني من الجفاف المالي، ورواد الأعمال يفرّون إلى الخارج بحثًا عن فرص أقل بيروقراطية وأكثر جدية؟
ما يحدث اليوم ليس فقط فشلاً في مواكبة التحولات التكنولوجية، بل تهديد مباشر للسيادة الوطنية في بعدها الرّقمي. ومادامت السياسات العمومية تُدار بمنطق الشعارات بدل الاستراتيجيات، فإنّ المغرب سيبقى مستهلكًا سلبيًا للتكنولوجيا، تابعًا بدل أن يكون صانعًا، وعرضة للاختراق بدل أن يكون محصّنًا.