مرّة أخرى، تكشف الأرقام الرسمية هشاشة الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه المغاربة، حيث أعلنت المندوبية السامية للتخطيط عن تسجيل مؤشر ثقة الأسر المغربية مستوى لا يزال مقلقًا في الفصل الثاني من سنة 2025، رغم تحسن طفيف مقارنةً بالفصل السابق. هذا “التحسن”، الذي هلّلت له الحكومة في صمتها المُرّ، لا يُخفي حقيقة واحدة: القلق يسيطر، والثقة تنهار، والمعيشة تتدهور.
فحين تُصرّح 76 % من الأسر بأنها عاشت تدهورًا فعليًا في مستوى المعيشة خلال الـ 12 شهرا الماضية، وحين تتوقع قرابة نصف الأسر استمرار هذا التدهور في الشهور المقبلة، فهذا يعني أن المغاربة لم يعودوا يؤمنون بجدوى السياسات العمومية، وأن المستقبل، كما يبدو في عيون المواطن البسيط، يزداد غموضًا وخنقًا.
الأرقام أكثر من كافية لقراءة المشهد
40.6 % من الأسر اضطرت لاستنزاف مدخّراتها أو اللجوء إلى الاقتراض لتغطية حاجياتها الأساسية.
فقط 1.8 % من الأسر تمكّنت من ادّخار شيء من مداخيلها.
أكثر من 72 % تعتبر أنّ الظروف غير ملائمة تمامًا لشراء السلع المستديمة.
أما البطالة، فـ 71.8 % من الأسر تتوقّع ارتفاعها، ما يعني أن الخوف من فقدان الشغل أصبح حاضرًا في كل بيت.
كل هذه الأرقام تُجمع على شيء واحد: مؤشر معيشة الأسر في تراجع مستمر، فيما الحكومة تمارس سياسة التجاهل والإنكار. فلا برامج فعالة لكبح غلاء الأسعار، ولا إصلاح ضريبي يعيد التوازن، ولا دعم اجتماعي حقيقي يمتص الصدمات المتلاحقة.
والأدهى من ذلك، أن الحكومة تُسوّق لفكرة “التعافي” و«النمو الاقتصادي”، وكأنّ الأرقام وحدها كافية لشراء الخبز وسداد فواتير الماء والكهرباء والدواء. المواطن لا يعيش بـ “النقط الموجبة” في تقارير الاقتصاد، بل يعيش على حافة الإفلاس، يومًا بعد يوم، فيما الأسعار تواصل الصعود، والدخل يزداد انكماشًا، والآمال تتآكل بصمت.
لقد تحوّلت الحياة اليومية إلى تحدٍّ قاسٍ: كيف ينجو الفرد بأسرته من دوامة ارتفاع كلفة المعيشة، في غياب تام لأي رؤية اجتماعية حقيقية من طرف الحكومة؟ كيف يتحدث المسؤولون عن “الإنصاف” و«تكافؤ الفرص” و«العدالة الاجتماعية”، في وقت لا يجد فيه أكثر من نصف المغاربة توازنًا بين المداخيل والمصاريف؟
إنّ استمرار هذا الصمت الحكومي إزاء واقع الأسر المغربية، يعكس عجزًا سياسيًا صارخًا في التصدي للمشاكل الحقيقية، وتخليًا كاملاً عن دور الدولة في حماية الطبقة الوسطى، ودعم الفئات الهشة، وتوفير الأمان الاقتصادي للمواطن.
المغاربة لم يعودوا يثقون في الخطاب الرسمي، ولا في المؤشرات الحكومية، لأن الواقع أقسى من الأرقام، والمعاناة أكبر من كل البيانات.