التغيير السلمي

حراك شعبي حرر الجزائر من المفسدين

آسيا مني

سنة لم تكن كأي سنة في تاريخ الجزائر المستقلة، ميزها حراك سلمي رافقه الجيش الوطني الشعبي بقيادته الحكيمة ممثلة في الراحل الفريق أحمد ڤايد صالح، فكان المجيب لصرخة شعب تمسك بحب الوطن، ليتم تفعيل المادة 102 و المواد 7و 8 من الدستور، لتتحرك على إثرها العدالة فتكشف عن النهب والفساد وتم تخليص البلاد من عصابة عطلت مسيرة الجزائر.

2019، أطلق عليها عام التغير الديمقراطي، إحتجاجات جماهيرية، إندلعت في 22 فيفري، عبر كامل التراب الوطني وحتى بعض المدن الأوربية من قبل الجالية للمطالبة بإسقاط مشروع العهدة الخامسة للرئيس السابق كانت تلوح في الأفق.
ملايين الجزائريين خرجوا في 22 فيفري من عام 2019، في أكبر مسيرة لم تكن في الحسبان، كسرت حاجز منع التظاهر بالعاصمة، مرددين «مكانش الخامسة يا بوتفليقة».
تبعتها مظاهرات عدة في سائر الأيام، إنظمت إليها مختلف شرائح المجتمع بما فيهم الطلبة الذين إختاروا يوم الثلاثاء كيوم حر للتعبير فيه عن رفضهم للوضع بالبلاد ومساندة الحراك الشعبي في الوقت ذاته،معلنين دخولهم في إضراب مفتوح وامتناعهم عن الدراسة كورقة ضغط على السلطة في يوم حمل تاريخ 26 فيفري.
حراك شعبي لقي متابعة إعلامية وطنية، عربية ودولية، على نطاق واسع، تبعتها ردود كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي صنعت الفارق في نقل الحدث ببثها المباشر لكل مراحل الحراك التي مرت بها البلاد ومختلف الحركات الاحتجاجية المنظمة على خلاف يوم الجمعة.
وفي العاشر من شهر مارس تمت الدعوة إلى إضراب عام لمدة خمسة أيام لم تجد استجابة كبيرة، مبادرة جاءت بعد أضخم مسيرة سجلت بتاريخ 8 مارس عرفت مشاركة نسوية واسعة، وإن لم يتم تبنيها بالشكل المطلوب إلا أن العديد من المحلات فضلت إسدال الستائر في اليوم الأول، غير أن الإضراب لم يستمر بعد أن اقتنع الجزائريون بأنه سيؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني وأنه ليس بالحل الأمثل، ليتم الاكتفاء بالخروج في مسيرات عبر مختلف أرجاء الوطن للمطالبة برحيل بوتفليقة وحاشيته.
وفي الجانب الآخر، محاولات لامتصاص غضب الشعب عبر جملة من الرسائل المتتالية المهدئة التي حملت الكثير من الوعود، كمنفذ للأزمة غير أن الحراك بقى مستمرا لتفضي المحاولات إلى إعلان تغيير حكومي خلال الأسبوع الثالث من الحراك، تم خلاله تنحية أحمد أويحيى وتعيين حكومة تكنوقراطية في يوم 31 مارس تضمنت وجوها جديدة مع احتفاظ 6 وزراء بحقائبهم، بقيادة نور الدين بدوي الذي عين وزيرا أولا، تشكيلة عرفت انتقادا كبيرا من قبل الجزائريين.
ولم تنته المحاولات عند هذا الحد بل أعلن بوتفليقة في رسالة وجهها إلى الشعب في 11 مارس، تأجيل الانتخابات التي كانت مبرمجة بتاريخ 19 أفريل وتمديد عهدته لسنة أخرى من أجل تنظيم إنتخابات واعدا بعدم الترشح فيها مع تنظيم حوار شامل قبلها يضم جميع أطياف المجتمع.
إجراءات لقيت رفض الشارع الجزائري لتزيد حدة الاحتجاجات التي باتت الصورة اليومية التي تطبع الولايات الجزائرية بما فيها عاصمة البلاد، ليرتفع معها سقف المطالب بعد أن خرج الجزائريون في مسيرات حاشدة للمطالبة برحيل كل النظام أبهرت العالم بسلميتها.
أسابيع متتالية تمسك فيها كل جزائري بمطلبه وبضرورة التغيير الجذري والقضاء على كل رموز النظام، بالخروج كل يوم جمعة في مسيرات سلمية شارك فيها الكبير والصغير، مواطنون بالرايات الوطنية رفعوا شعارات معبرة عن آمالهم ومواقفهم الحرة لمستقبل أفضل للبلاد، رددتها الحناجر المدوية «الجيش الشعب خاوة- خاوة»، مبدين بذلك مساندتهم لقرارات المؤسسة العسكرية التي كانت حريصة على ضمان الإنتقال السلس للبلاد وفق الدستور.  
إرادة شعبية قوية وآمال كبيرة في جزائر جديدة، جعلت الجيش الوطني الشعبي بقيادة الفريق أحمد ڤايد صالح يرافقها، ما أفضى إلى استقالة بوتفليقة بتاريخ 3 أفريل من منصبه عبر رسالة استقالة قدمها إلى المجلس الدستوري تبعتها سلسلة من المتابعات القضائية طالت مسؤولين ورجال أعمال بتهمة التآمر على سلطة الدولة.
أوضاع حساسة مرت بها البلاد استدعت ضرورة تطبيق المادة 102 التي تنص على إجتماع المجلس الدستوري وجوبا في حالة ما استحال على الرئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب المرض، تولي  رئيس مجلس الأمة القيام بمهام رئيس الدولة لمدة أقصاها تسعون يوما تنظم خلالها الانتخابات الرئاسية التي لا يحق له الترشح فيها، ليتم تنصيب رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئيسا للدولة بتاريخ 9 أفريل من سنة 2019 بعد الإعلان الرسمي عن شغور منصب رئيس الجمهورية.
من جهته، دعا بن صالح الجزائريين في أول خطاب له إلى أهمية تنظيم إنتخابات نزيهة شفافة ليتم تحديد تاريخ 4 جويلية، غير أن الجزائريين لم يقتنعوا بها ليتم تأجيلها بعد تمسك الجزائريين بتغيير رموز النظام فبقي المشهد السياسي يتأرجح في ظروف جد حساسة طالب فيها الجزائريون بتجسيد آلية حقيقية من شأنها أن تضمن نزاهة الانتخابات، فكان لهم ذلك بعد تنصيب السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات برئاسة  محمد شرفي.
ليدعو بن صالح الهيئة الناخبة مرة أخرى من أجل تنظيم انتخابات رئاسية بتاريخ 12 ديسمبر من أجل اختيار الرجل الأنسب لقيادة المرحلة الجديدة، العملية التي حرصت المؤسسة العسكرية على أهمية  إجرائها وتجنيب البلاد الدخول في فراغ دستوري.
مواقف المؤسسة العسكرية كانت واضحة منذ البداية في مرافقة الحراك دون قطرة دم واحدة، موقف سيظل التاريخ  يحفظه، فانخرط بعدها الجيش الوطني الشعبي في مسعى تخليص الجزائر من أزمتها، بعيدا أن أي طموح سياسي ومكن الجزائريين من إختيار رئيسهم دستوريا عبر خيار الصندوق ليتم الإعلان عن فوز عبد المجيد تبون  بتاريخ 13 ديسمبر من قبل السلطة المستقلة للانتخابات.
وإن بقي الحراك مستمرا إلا أنه لا أحد ينكر أن الجزائر سجلت حراكا شعبيا أسقط العهدة الخامسة وأبطل استمرار النظام الذي ارتبط بشخصيات كانت لها يد في الفساد وتبديد المال العام، لتبقى بذلك المسيرة يضرب بها المثل ويقتدى بها عالميا بمحافظتها على طابعها السلمي بعد أن طبعتها أجواء هادئة  وميزتها حركية تجارية وأجواء تضامنية أخوية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024