يعيش المغرب منذ الثلاثاء الماضي أجواء من الاستياء والغضب العارم، نتيجة مقتل طالبة وإصابة أربعة شباب برصاص البحرية وهم يهمّون بمغادرة البلاد بشكل سرّي نحو اسبانيا.
الحادثة كانت بمثابة هزّ لعشّ الذبور، حيث ثار الشعب و انتفض ضدّ هذه الجريمة النكراء، و حمّلوا المسؤولية للسلطات و طالبوا بمحاسبتها، معتبرين أن الوضع الاجتماعي السيء، وسياسة القمع التي طالت شباب «حراك الريف « هي التي تدفع بآلاف المغاربة إلى ركوب زوارق الموت بحثا عن مكان أفضل.
في السياق ضمّ المئات من مشجّعي فريق المغرب التطواني لكرة القدم أمس الأول، مسيرة احتجاجية بمدينة تطوان (شمال البلاد)، تنديدا بحادث مقتل الطالبة حياة برصاص البحرية المغربية وهي على متن قارب للهجرة غير النظامية، وللمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن مقتلها.
ورفع المحتجون شعارات منددة بمقتل «حياة»، وردّدوا «الشعب يريد إسقاط الجنسية»، و»حياة مقتولة والدولة المسؤولة»، وعرفت المسيرة التي جابت شوارع المدينة، استنفارا أمنيا غير مسبوق بالمدينة، كما عرفت حضورا قويا لمشجعي فريق المغرب التطواني.
وقتلت الفتاة المغربية حياة بلقاسم، الثلاثاء الماضي، إثر إطلاق البحرية المغربية النار تجاه قارب يقلّ مرشحين للهجرة غير النظامية.
والخميس، قال محمد المريزق خال الفتاة المغربية حياة بلقاسم إن الشابة (20 سنة)، توفيت بعدما أصيبت بالرصاص عندما حاولت الهجرة.
وأوضح أن ظروفها المالية هي التي دفعتها إلى الهجرة، خصوصًا أن والدها لا يعمل حاليًا، وكانت تريد مساعدة أفراد عائلتها البالغ عددهم 7 أفراد (الوالدان و5 إخوة).
وتابع أن حياة كانت تتابع دراستها في الجامعة، وتحاول إيجاد عمل ولم تفلح في ذلك.
والثلاثاء، أصيب 4 أشخاص بجروح متفاوتة، إثر إطلاق البحرية المغربية النار تجاه قارب مطاطي كان متواجدًا بالمياه المغربية ويقل مرشحين للهجرة غير النظامية.
الهجرة حق إنساني
و مقابل مسيرة تطوان، أدانت عشرات الجمعيات النسائية والحقوقية، جريمة مقتل حياة وإطلاق النار على شباب عزّل، ذنبهم الوحيد أنهم أرادوا الفرار من بلدهم الذي لم يلبّ أبسط حقوقهم الانسانية.
وطالبت الجمعيات، اعتماد مبدأ مقاربة النوع في السياسات العمومية للقضاء على ظاهرة تأنيث الفقر، والتي أودت بحياة تسع عشرة امرأة وفتاة خلال السنتين الأخيرتين.
وأكدت الجمعيات على أن الهجرة حق إنساني تضمنه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب.
وأعلنت الهيئات المدنية عن تشبثها بضرورة فتح تحقيق نزيه وشفاف حول ملابسات الحادث وتنوير الرأي العام بمآلاته.
وطالبت بحكامة مجالية عادلة وفق رؤية شمولية تضع محاربة الفقر والبطالة والهشاشة ضمن أولوياتها المستعجلة. مؤكدة على احتفاظها بالحق في خوض كل الأشكال النضالية والقانونية التي تراها مناسبة لدعم الضحايا وتحقيق العدالة.
مطالب بالمساءلة البرلمانية لوزير الداخلية
دعت مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمجلس المستشارين، إلى عقد اجتماع عاجل للجنة الداخلية والجماعات الترابية والبنيات الأساسية قصد الاستماع إلى وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت حول التطورات الأخيرة لظاهرة الهجرة غير النظامية.
ويأتي طلب مساءلة وزير الداخلية، بعد مقتل ضحية الهجرة حياة بلقاسم.
ويشار أن منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، كانت قد أعلنت أن عدد المغاربة من المهاجرين غير النظاميين، الذين عبروا بحرا، بلغ منذ بداية 2018 6000 شخص.
وكشفت وسائل الإعلام الإسبانية أن ما يقارب 5000 قاصر مغربي غير مرفقين بإسبانيا، وفق إحصائيات رسمية.
الصحافة العالمية تعزو الحادثة إلى هشاشة الدولة
حصدت قضية حياة، «شهيدة الهجرة السرية»، تفاعلا واسعا على المواقع الإخبارية العالمية؛ بعدما أسلمت هذه الأخيرة روحها لبارئها، بسبب إطلاق البحرية المغربية النّارَ على زورق إسباني كان يُقِلُّها ومجموعةً من المهاجرين المغاربة.
و أرجعت بعض هذه المواقع مقتل الشابة حياة الى هشاشة الدولة، و كتبت بأن الشباب الذين يركبون مخاطر البحر و يمتطون زوارق الموت لم يقوموا بأي جُرم بل حاولوا ببساطة الفرار من البؤس الذي تتسبب فيه الدولة، التي تحوّلت على ما يبدو إلى دركيّ يحارب الهجرة السرية تلبية لمطالب أوروبا حتى وإن كان باستعمال السلاح.
لكن بيدو بأن المغرب سيدفع الثمن غاليا هذه المرّة، فمقتل الطالبة حياة خلق حالة من الاحتقان والغضب الذي يمكنه أن يتدفق إلى احتجاجات وتظاهرات تكرّر أجواء « حراك الريف» وما صاحبها من توتّر.