يتحدث الكاتب محمد الميلي في كتابه ''ذكريات زمن البراءة'' والذي صدر عن دار القصبة للنشر عن أهم المراحل التي عاشها وشكلت منعرجا هاما في مسيرته المهنية والعائلية.
يتناول الكتاب والذي جاء في ٤٧٦ صفحة مراحل متعاقبة وتفاصيل دقيقة منها كحياته الخاصة وعلاقته بوالده، مرورا بمراحل المراهقة، كما تحدث عن أدق التفاصيل وجزيئات المحيط الذي نشأ فيه، ونظرا للأهمية التي يحتلها كتاب «ذكريات زمن البراءة» والذي صدر سنة ٢٠١١، إرتأينا أن نعيد تقديم قراءة أخرى لهذا الإصدار الهام.
المساهمة في التجهيزات الخاصة لجريدة ''الشعب''
جاء تقسيم الكتاب عبر مراحل متعددة، منها الفترة التي تحدث فيها عن ''السفر إلى تونس على ظهور الحمير''بالإضافة إلى المميزات التي كان يتمتع بها والده إلى أن يصبح رمزا من رموز مؤسسي جمعية العلماء المسلمين وهو ''مبارك الميلي، من ناحية أخرى تحدث الكاتب عن تنقلاته عبر المدن منها الزيارة الأولى لزوجته إلى مصر'' وعن التجهيزات التي قام بها في شهر سبتمبر ١٩٦٢ لتجهيز جريدة ''الشعب'' بما تحتاجه من آلات الطباعة وإبرام عقود مع فنيين مصريين، ثم الاستقرار بأثينا'' والرحلة إلى سيدي عيسى وسرد في كتابه بعض الشخصيات التي اسماها في كتابه ''الحاج نون'' والحاج شور والحاج نصوف والحاج عيسى الحداد، كما جاء القسم الذي كان تحت عنوان ''الشغف بالقراءة'' إلى إظهار ميولاته الأدبية، منها قراءة في إليادة الجزائر والشاعر القروي والإشارة إلى بعض الكتاب الذين تركوا بصماتهم منهم اندريه جيد جول رومان.
تاريخ الإصلاح الديني وانتخابه على رأس الأليسكو
كما تحدث الكاتب عن أسباب اهتمامه بتاريخ الإصلاح الديني الذي أرجعه الى علاقته الخاصة بوالده والذي كان آنذاك من مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كما كان انتخابه على رأس ''الأليسكو'' حدثا مميزا في حياته المهنية، وتناول الميلي في كتاب ''ذكريات زمن البراءة'' عن الأساليب التي انتهجها الاستعمار الغاشم من خلال التفريق بين العرب والأمازيغ في محاولة لإثارة صراع طائفي، إضافة إلى التشكيك في الماضي والقضاء على ''جمعية العلماء المسلمين''. واعتبر الميلي أن السياسة التي انتهجتها الإدارة الفرنسية في الجزائر كانت محكومة باعتبارات عديدة، إيديولوجية وسياسية، ثقافية واقتصادية، وإذا كان من الطبيعي أن يتسبب أي احتلال أجنبي في ردود فعل ضده تساعد على تعزيز أو تكوين روح وطنية، فإن قادة الاحتلال أغفلوا هذه الحقيقة وتغافلوا عنها.
صور أسطورية لمرحلة هامة من تاريخ الجزائر
''ذكريات زمن البراءة'' يعري ويفضح الاحتلال وانتهاكات الاستعمار للقضاء على الهوية الجزائرية، حيث كان مدخل ''تاريخ الجزائر الحديث'' لسرد تفاصيل هذه المرحلة الخاصة، معتبرا تاريخ الجزائر هو الوحيد بالبلدان المغاربية الذي عرف جدلا حادا في فترة الاستعمار، حيث عرض متطلبات كتابة التاريخ و المصاعب التي تكتنف هذا النوع من الكتابات، كما كان الكتاب عبارة تذكير بالبصمات التي تركتها بعض الشخصيات، والمدن التي زارها خلال فترة الستينات والسبعينات منها منظر لمدينة ميلة في العشرينات وهي صور قال عنها ''أسطورية'' تعود للزمن القديم، منها صور دار الطلبة بالجزائر ومعهد ابن باديس بين سنتي ١٩٥٤/١٩٥٣ وصورته في مقر جريدة الأهرام بمصر سنة ١٩٦٩ وصور أخرى أرشيفية مع عبد الله شريط ورضا مالك وعمر أوصديق، وتعتبر الصورة التي جمعته مع المؤلف أبو العيد دودو ومولود معمري من أهم المحطات التي عبرت عن المسيرة المهنية الهامة للميلي إلى جانب الصورة التي جمعته بالرئيس الراحل الهواري بومدين خلال توزيع أراضي الثورة الزراعية وكذا مؤتمر إتحاد الكتاب العرب بقصر الأمم عام ١٩٧٥ .
من خلال السرد لـ '' ذكريات زمن البراءة ''يتخيل للقارئ أنه يبحر مع الكاتب في ثنايا الأحداث المميزة التي شكلت حياته الخاصة ومشواره المهني الثري ليعيش مع هذه الأحداث ويتعايش معها إلى درجة كبيرة والتعلق بتفاصيلها الممتعة .