يرى الكاتب الطاهر بلحيا بأنّ الكتابة الإستعجالية مجرد شذرات صحفية متسرّعة، تصف الأشياء ولا تنفذ لداخلها مثل ما تريده الرواية والقصة. وأكّد في حوار مع “الشعب” بأنّه لا يعتبر الكتابة الإستعجالية إبداعية، بل كلام يمكن وصفه بجميع المواصفات إلاّ الإبداع الأدبي الجميل، الهدف من ورائه اللّهث المستميت وراء الشّهرة السّريعة، التي لا تدوم أكثر من زمن قراءة سريعة ومتسرّعة لهذا العمل، قائلا “أنّ التريث مطلوب في الكتابة والحكم عليها”.
الشعب: ما المكانة التي يحتلّها الأدب الجزائري في المشهد العربي؟
الطاهر بلحيا: بخصوص مكانة الأدب الجزائري في الوقت الرّاهن أعتقد أنّه ومع مستهل الألفية الثالثة، يتصدّر الأدب العربي جميعه، لعدة اعتبارات سأكتفي بذكر أهمّها والمتمثّلة في بروز شخصيات لها وزنها أمثال واسيني الأعرج، أحلام مستغانمي .. وسيطرتهما على مبيعات الكتب الأدبية في مختلف الأقطار العربية، بل واعتبارهما الأكثر مقروئية في وطننا الحالي، بما يعبّران عنه من مشاعر إنسانية دافقة بالمحبة للإنسان في كل زمان ومكان.
ثم لأنّ أدبنا الجزائري المعاصر متنوّع المشارب، يعبّر عنه بمختلف اللغات العالمية، فهناك الكتابة بالعربية بالدرجة الأولى وبالإنجليزية والإسبانية. وهناك حركة ترجمة نشيطة تقدّم الأدب الجزائري بمختلف اللغات الحية في أصقاع العالم المتمدّن، خصوصا لقراء اللغتين العالميتين الإنجليزية والإسبانية، وهما المسيطرتان على العالم المعاصر، شرقا وغربا.
هناك كذلك إفادة الأدب الجزائري من تراث الأمة العربية الإسلامية، والحضارات الإفريقية المتاخمة لنا، وأقصد بذلك هذا التراث الشعبي وهذه الأساطير والمعتقدات، كونها أثرت المرجعية الفكرية والفلسفية لمختلف الأدباء الجزائريين، خصوصا أولئك الذين مثّلوها في نصوصهم الشيّقة. أهم دليل على ذلك هو الأديب واسيني الأعرج، إضافة إلى هذا البصيص الخافت من الديمقراطية، الذي جعلنا نتقرّب من مختلف الثّقافات والأفكار العالمية المعاصرة، بل ونشعر أحيانا بأنّنا صرنا مثل بقية البشر، نشعر كما يشعرون، ونحس تماما كما يحسّون، بعد أن كنا ولفترات عديدة إما تحت نير المستبد الغاصب أو المستبد الحاكم، ضف إلى ذلك هذا الأمل في كوننا نجدّد مسار الشّهداء نسهم في بناء ثقافة ديمقراطية لا تزول بزوال الأشخاص، مهما كانت مرجعيتهم.
ظهرت كتابات أطلق عليها اسم الأدب الاستعجالي، هل ترون بأنه قيمة مضافة للأدب الجزائري، أم ينبئ عن أزمة رواية؟
الكتابة الإستعجالية لا أعتبرها كتابة إبداعية، ونصوصها مجرّد شذرات صحفية متسرّعة، تصف الأشياء ولا تنفذ لداخلها مثل ما تريد الرواية والقصة، هي مجرد “ساندويتش” إبداعي لتلهية الأذواق، وجعل الناس يشعرون بأنهم يجدون واقعهم المعيش في كتابات بعض الكتاب، ضف إلى ذلك مسألة اللهث المستميت وراء الشّهرة السريعة، التي لا تدوم أكثر من زمن قراءة سريعة ومتسرّعة لهذا العمل، الذي أشعر بأن طهيه لم يكتمل، العمل الذي ينقصه الكثير من “القلي والشي”.
كان الشاعر العربي القديم يصنع قصيدته لسنة، ثم يعرضها على المقربين لسنة أخرى ثم يعلنها، وهي مدرسة سميت في التراث بمدرسة “الصنعة”. من ذا الذي يصنع قصيدته في أكثر من بعض الساعات، فما بالنا بالنص الروائي، ولأنّني قضيت عشر سنوات في كتابة “روايتي سلاطين الرمل” أصحّح جملها، وأتابع مفاصل أخبارها، وأعيد ترتيب أبوابها، وأزيّن كلماتها يوما بعد يوم، ثم نشرتها كاملة متكاملة تقع في حدود 549 صفحة. وكذلك الشأن بالنسبة لروايتي “المتسامح”، وقصصي القصيرة جمعتها في مجموعة تحمل عنوان “سيدة اللّحن”، دامت كتابة قصصها الأثنتا عشرة قصة مدة 12 سنة، ليأتي متسرّع يكتب كلاما يتّسم بالسّرعة، ويسميه قصة أو رواية، وهو كلام نصفه بجميع المواصفات إلا الإبداع الأدبي الجميل، أضف إلى أنّ التريث مطلوب في الكتابة والحكم عليها.
يميل أغلب روائيّي السّبعينيات والثّمانينيات بالجزائر إلى التّقليل من أهمية نصوص الأزمة، منهم من رأى أنّ بعض الروائيين حاولوا تأريخ مجريات الحراك العربي في مصر وتونس وغيرهما بطريقة غير دقيقة، وترجمة غير صحيحة للأحداث؟
بالفعل نلاحظ بأنّ غالبية كتّاب جيل السبعينيات والثمانينيات في الجزائر على وجه الحصر، يميلون إلى التّقليل من أهمية ‘’نصوص الأزمة’’، ذلك لأن الأزمات عابرة ولا نستطيع أن نحكم عليها في زمنها، بل يجب التريث لنميّز بين الغثّ والسّمين، أما الذين يحاولون تأريخ مجريات هذه الأزمة التي سمّتها الصهيونية العالمية بـ “الثورات” في كل من مصر وتونس، فهم مؤرّخون وصحفيون محترفون في تأريخ الأزمات والأحداث الكبرى، لكنّني لا أرى بأنّ لهم علاقة تذكر بما يسمى ثورة، خصوصا في الزّمن الرّاهن، ذلك لأنّهم في غالبيتهم دمى تسيّرها أياد من وراء الحدود، ثم يجب أن نسمّيهم بالمسمى الذي يناسبهم، لأنّهم يكتبون من خلال برمجة أحداث تريدها الصّهيونية هكذا، فهي بذلك طريقة غير دقيقة لفهم المواطن العربي وحاجاته الاجتماعية والنفسية، وترجمة غير صحيحة للأحداث والوقائع التي نعيشها في راهننا الحالي، ولم يبق لهم إلاّ برمجة مشاعرنا ومحبّتنا وكرهنا لبعضنا البعض، وللأسف قد نجحوا في ذلك.
أيّ أثر للأدب الاستعجالي في الحركة الأدبية؟
أعتقد أنّ هذا الأدب لازالت نتائج تواجده ضعيفة إلى حد الانعدام، أي كأنه لم يولد أصلا، ولا زلنا لم نعره انتباها، ربما لأنّ الذين ركبوا موجته الجديدة، بدا لهم الوصول إلى شاطئ الأمان من أقرب الطّرق، ربما على طريقة القصة القصيرة جدا، والتي هي فن أدبي جديد ناتج عن طريقة عميقة في التّفكير، وليست مثيلة بالأدب الإستعجالي الذّميم.