«العربية والطب: علاقة تنافر أو تكامل».. هو عنوان الندوة الفكرية التي نشطها أمس كل من الدكتور جمال أولمان وعقيلته الدكتورة سمية أولمان، بمقر المجلس الأعلى للغة العربية.. الندوة جاءت في إطار اللقاءات التي يحتضنها منبر «حوار الأفكار» بالمجلس، وتطرق الطبيبان خلالها إلى واقع تدريس وممارسة الطب في الجزائر، وما تعرفه من تغييب للعربية وهي اللغة التي كتب بها تراث تشهد الإنسانية لفتوحاته العلمية.
واعتبر رئيس المجلس عز الدين ميهوبي أن الحضارة العربية الإسلامية ذات فضل على الحضارة الإنسانية، وأشار إلى إسهامات الدكتور نويوات الذي ترجم معجم التشريح من اللغة الأجنبية إلى العربية، ووجد أن أصل أغلب المصطلحات عربي.. كما تطرق ميهوبي إلى بلدان خاضت تجارب تعريب الطب، على تباين حصيلتها.
وأشار ميهوبي إلى ما ذكره الدكتور سعيد شيبان حول وثيقة أعدتها اللجنة الوطنية لوضع المناهج الجامعية نهاية الثمانينيات، تتمثل في مذكرة تضع منهجية لكيفية تعريب الطب في الجزائر.
وفي تصريحها لـ»الشعب»، قالت الدكتورة سمية أولمان، أخصائية في أمراض السرطان وفي أمراض الثدي، إن المعهد الوطني للصحة العمومية، بعد 50 سنة بعد الاستقلال، ما زال يصدر منشوراته بالفرنسية، ونفس الملاحظة توجهها محدثتنا عن ديوان المطبوعات الجامعية الذي ينشر لجزائريين لهم رصيد بالعربية ولكنهم لا يوظفونه ولو بنسبة دنيا.
أما الدكتور جمال أولمان، أستاذ بجامعة الجزائر وجرّاح بمستشفى الأبيار، فقال لـ»الشعب» إن عزوف طلبة الطب عن استعمال العربية رغم أنهم درسوا كل الأطوار الأساسية بهذه اللغة، هو دليل على الاستعمار الفكري، وأن هذا الاستعمار ما يزال يضرب إدراك الشعوب ويحاول الانتقاص من إرثها الحضاري الإنساني.. واستغرب محدثنا الإقصاء التامّ للعربية، وهو ما يؤثر على العلاقة بين الطبيب ومريضه. وامتازت مداخلة الدكتورين أولمان بمنهج تاريخي وتدرج في الأحداث، حيث تطرقا إلى بدء الحاجة إلى ترجمة القرآن، ثم إنشاء البيمارستان، ثم افتتاح مستشفى بغداد أيام الخليفة العباسي هارون الرشيد، وكذا مراكز الترجمة، وهو ما نتج عنه ترجمات ابن إسحاق لكتابات جالينوس وأبوقراط.. وبفضل الترجمة وانتشار الإسلام تحولت اللغة لعربية من لغة الشعر والأدب فقط، إلى لغة العلم والفكر كذلك، ففي الأندلس ضمت مكتبة قرطبة 600 ألف عنوان. كما تطرق المداخلان إلى أعمال ابن سينا، وقسطنطين الأفريقي الذي ترجم ونقل إلى أوروبا،
وجاءت الحروب الصليبية على ثلاث جبهات: دينية، عسكرية وعلمية. وقد ترجم كتاب أبو القسيس أب الجراحين العرب كليا إلى اللاتينية.
وبعد استعراض الوضع أثناء الاستعمار الفرنسي والانتقال من العلوم الطبية بالعربية إلى لغة المستعمر، شرّح المداخلان وضع الطب ببلادنا من زاوية لغوية، ولاحظا وجود تناقض كبير بين الرسمي «القانوني» والتطبيقي «غير القانوني»، فالوثائق المعتمدة في العدالة تترجم إلى العربية، ومعظم دساتير الجزائر تشير إلى الانتقال للعربية، ورغم ذلك تبقى اللغة المعتمدة في الطب علما وممارسة وإدارة هي اللغة الأجنبية. واقترح الدكتوران أولمان عددا من الحلول والتوصيات، منها إدماج وحدات بيداغوجية في تدريس تاريخ الطب، تعليم المصطلحات، وحدات الطب الشرعي، الطب الاجتماعي، وترجمة ملخصات الأطروحات المقدّمة، وإنشاء خزان وثائقي علمي طبي، ومجلة لترجمة الدراسات المتخصصة، وترجمة كتب الطب، واستعمال العربية في الوثائق الإدارية غير التقنية.
من جانبه أشار الدكتور سعيد شيبان في مداخلة مقتضبة إلى التجارب العربية في الميدان، وقال إن الطبّ دُرّس بالعربية في مصر على مدى سبعين سنة قبل أن يدخلها الإنجليز، وأمر مشابه حدث في لبنان، وتبقى التجربة السورية جديرة بالاحترام.