الوعي في قبضة الخوارزميات..الدكتورة خولة عبسي لـ”الشعب”:

العالم يعيش تحوّلا إبستيمولوجيا عميقا

فاطمة الوحش

أكّدت الدكتورة خولة عبسي أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد اختراع تقني عابر، بل أضحى أحد أبرز الأدوات المركزية التي تعيد تشكيل وعي الإنسان، وتؤثر بعمق في كافة المجالات اليومية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

 وأوضحت الباحثة عبسي في تصريحها لـ«الشعب”، أن التغيرات التكنولوجية التي نشهدها اليوم ليست إلا امتدادا للتحولات الإبستمولوجية الكبرى التي مرت بها الإنسانية عبر العصور، والتي تفرض مساءلة مستمرة لتركيبة الفكر الإنساني وتصوراته.
وشبّهت خولة عبسي هذا التحول بما أحدثه الدين سابقا من تحرير للعقل من الأوهام والقيود، مشيرة إلى أن تطور العلم، بدوره، أدى إلى إعادة تنظيم الفكر الإنساني ضمن أنساق ثقافية تتفاعل مع المتغيرات اليومية والاجتماعية والسياسية. وأضافت أن هذه التحولات لم تكن فقط تقنية أو معرفية، بل مسّت جوهر الوعي الإنساني، ودفعت إلى بروز ما سمّته بـ«القطائع المعرفية” التي أعادت ترتيب علاقة الإنسان بالكون والمجتمع والذات.
ولفتت المتحدثة إلى أن الذكاء الاصطناعي بات من أبرز الدعائم الأساسية للحياة اليومية، حيث يُسهم في تبسيط العديد من المهام المعقدة، مثل الترجمة الفورية، وتحليل البيانات الشخصية والطبية، وتعلم اللغات بدون الحاجة إلى معلم، إلى جانب تسهيل المعاملات البنكية، وتنظيم المصاريف المرتبطة بالسفر والانتقال. وذكرت أن لهذه التقنيات دوراً فعّالاً في دعم أهداف التنمية المستدامة، من خلال اقتراح حلول مبتكرة للعديد من الإشكاليات الاجتماعية.
ورغم هذه الإيجابيات، أكدت الدكتورة عبسي أن الاستخدام الواسع للذكاء الاصطناعي يثير جملة من الإشكالات العميقة، أبرزها فقدان الإنسان البسيط لجوانب جوهرية من الحياة التقليدية، واستسلامه التدريجي لسلطة السيطرة غير المباشرة التي تفرضها الأنظمة الذكية، مما يؤدي إلى تراجع القيمة البشرية أمام الآلة. وقالت إن هذا التغييب للعنصر البشري يشمل كافة المجالات، بدءا من فقدان الوظائف، مرورا بانعدام الخصوصية، وصولا إلى ظهور طبقة “اصطناعية” موازية للبشر، وهو ما يفرض علينا التعامل مع هذه القوة التقنية بحذر شديد.
وعن التحديات التي تواجه الإنسان في ظل سيطرة أنظمة الذكاء الاصطناعي، أوضحت عبسي أن التحولات الرقمية التي فرضتها الثورة المعلوماتية، تضعنا أمام مساءلة حقيقية بين وعي بشري أصيل ووعي آلي مستحدث، وأشارت إلى أن العصر الحالي يفرض علينا مواكبة هذه التطورات، سواء على المستوى الاقتصادي أو الإعلامي أو الثقافي، باعتبار أن الاندماج في هذا العالم المتسارع أصبح حتمية لا خيارًا.
وأضافت: “إن الذكاء الاصطناعي يُعد خرقًا أداتيًا يفرض جدلية وجودية بين الإنسان والآلة، ويضع البشرية أمام مفترق طرق: إما التفاعل الحضاري الإيجابي الذي يحوّل التكنولوجيا إلى أداة لحل الأزمات، أو الانزلاق نحو دمار شامل قد ينهي الوجود الإنساني كما نعرفه”. وطرحت تساؤلاً جوهريًا: “من يتحمّل مسؤولية أخطاء الذكاء الاصطناعي؟ الإنسان أم الآلة؟”.
وذكّرت بأن فكرة “تحسين الإنسان” ليست جديدة، بل تعود إلى فلاسفة مثل أفلاطون، نيتشه، وفرانسيس جالتون، الذين آمنوا بإمكانية وجود بشر “أفضل من بشر”، وهو ما تم تجسيده لاحقًا في السينما من خلال صورة “السوبرمان”، إلا أن ما يحدث اليوم ـ حسب قولها ـ هو حوسلة الإنسان، أي تحويله إلى مجرد رقم أو برنامج، والانتقال من إمبريالية الإيديولوجيا إلى إمبريالية البرمجة، وهو ما تسبب في تفاقم الفجوة الرقمية وتعميق الانقسامات الطبقية.
وشدّدت الدكتورة خولة عبسي على أن الذكاء الاصطناعي يجب ألا يكون بديلا عن الإنسان، بل أداة تكمّل قدراته الإبداعية وتدعمه. وأوضحت أن التكامل بين الإنسان والآلة يتطلب إعادة التفكير في العلاقة بينهما، على أساس “أنسنة التكنولوجيا” وليس التنافس معها. وقالت: “العقل الإنساني هو أعقد ما خلقه الله، وهو القادر على فهم ذاته وصناعة المستحيل، إذ إنه هو من صنع هذه الآلة وطوّرها”.
وترى محدثتنا أن الأنسنة تظل مركزية في هذا السياق، خاصة في ظل الحتمية الافتراضية التي نعيشها. ودعت إلى تجاوز ثقافة التنافس والإلغاء، والانتقال نحو بناء مشترك بين الذكاء البشري والاصطناعي، يقوم على تعزيز الإنتاجية وتطوير المهام الاستراتيجية التي تساهم في انفتاح عالمي أوسع ثقافيًا، وجيوسياسيًا، وتواصليًا.
وختمت حديثها بالتأكيد على ضرورة تطوير السياسات الرقمية والأخلاقيات المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي، إلى جانب تشجيع الأجيال الجديدة على التعلم والتدرب للتكيف مع التحولات المتسارعة التي يفرضها هذا العصر. مؤكدة أن بناء الوعي هو الخطوة الأولى لضمان استخدام آمن وعادل لهذه التقنيات، دون المساس بجوهر الإنسان وحقوقه وكرامته.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19836

العدد 19836

الأربعاء 30 جويلية 2025
العدد 19835

العدد 19835

الثلاثاء 29 جويلية 2025
العدد 19834

العدد 19834

الإثنين 28 جويلية 2025
العدد 19833

العدد 19833

الأحد 27 جويلية 2025