يحتضن قصر الداي حسين الثعالبية بحسين داي، منذ 9 جوان الجاري، معرضا تشكيليا للفنان العصامي جمال الدين مبرك، يتواصل إلى غاية 22 من الشهر ذاته، ضمن فعاليات الاحتفال باليوم الوطني للفنان. هذه المبادرة الثقافية التي تقام في أحد أعرق المعالم التاريخية بالعاصمة الجزائرية، تأتي لتؤكّد الدور المتجدد للفن التشكيلي في إعادة ربط الذاكرة الجماعية بجماليات الحاضر، من خلال رؤية إبداعية أصيلة تستقي مضامينها من تاريخ الجزائر وتراثها، ومن القضايا العادلة التي تُلهب وجدان الشعوب الحرة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
يضم المعرض عشرين لوحة فنية أنجزها الفنان بتقنيات مختلفة، تتنوّع بين الألوان الزيتية والمائية والأكريليك، وتُعبّر كل واحدة منها عن رؤية خاصة لعناصر الهوية الجزائرية، أو عن تأمل في حدث أو رمز وطني. تنقّلت الريشة بين ملامح التراث المادي من عمارة وأزياء وعادات، إلى التراث اللامادي الذي يحضر من خلال مشاهد سردية تنبض بالحركة، مستعرضة تفاصيل من الحياة اليومية الجزائرية في بيئاتها المتعددة: الريف، المدينة، الصحراء.
ولا يكتفي المعرض بدور التوثيق البصري، بل يمتد إلى بعد تعبيري عميق، حيث تجسّد بعض الأعمال رموزا من المقاومة الجزائرية، وعلى رأسها الأمير عبد القادر، الذي لطالما شكّل مصدر إلهام لدى العديد من الفنانين والمبدعين، وهو ما يترجمه مبرك في أعماله عبر رمزية قوية، تزاوج بين هيبة الشخصية التاريخية وقيمها الإنسانية.
وبعيدا عن الفولكلور والانغلاق في المحلي، تخرج لوحات مبرك إلى الفضاء العربي والإنساني، إذ تنبض بعضها بروح التضامن مع قضايا الشعوب المستعمرة والمقهورة، وفي مقدمتها فلسطين، حيث اختار الفنان أن يعبر بريشته عن “الطوفان” الذي هز الوجدان العالمي في 7 أكتوبر، مقدّمًا لوحة خاصة تجسد هذا الحدث، لا بوصفه مجرد واقعة سياسية، بل كفعل رمزي تتقاطع فيه المأساة والمقاومة. “أنا لا أختزل القضية الفلسطينية في لحظة معينة، بل أراها قضية مستمرة، وهي حاضرة في وجداني الفني دائمًا”، يقول مبرك.
وما يلفت الانتباه في تجربة جمال الدين مبرك هو حرصه على عدم الارتهان لموضوع واحد، إذ يفضل ـ كما يؤكّد ـ التنويع في الأعمال التي يُنتجها، سواء من حيث الموضوع أو الأسلوب، حتى يتمكن من ملامسة أذواق مختلفة. هذا التعدد لا ينبع من التشتت، بل من وعي فني بضرورة مخاطبة شرائح متعددة من الجمهور، فهناك من يستهويه البعد التاريخي، وآخر يهتم بالمشهد الطبيعي، وثالث يتفاعل مع الرسالة الإنسانية.
«الفن هو رسالة نبيلة، وأنا أعتبر نفسي صوتا يحمل عبر الريشة ذاكرة الجماعة”، يقول مبرك، الذي يعتبر أنّ دور الفنان لا يتوقّف عند الإبداع الشخصي، بل يتعداه إلى المساهمة في التوعية، وبناء الذائقة الجمالية، خاصة في وسط شبابي يحتاج إلى استعادة صلته بتاريخه وهويته بطريقة معاصرة وجذابة.
وبحسب جمال الدين مبرك، فإنّ هذا المعرض لا يعد تجربة معزولة في مسيرته، بل تتويجا لرحلة طويلة من المشاركات المتنوعة، داخل الجزائر وخارجها. فقد سبق لجمال الدين مبرك أن شارك في معارض فردية مثل “هوية”، و«لمسة جزائرية” بوهران، و«نفحات فنية في رحاب رمضان” بالعاصمة، إلى جانب معارض جماعية منها “نور وألوان”، والمعرض التضامني “فلسطين بالألوان ـ لوحات للحرية”، الذي نُظم ضمن الفعاليات التضامنية التي شهدتها الجزائر مع الشعب الفلسطيني، فضلا عن مشاركة مميزة خارج الوطن، كان آخرها بدولة قطر.
ويختصر الفنان رؤيته بالقول: “الفن هو رسالة، وواجبي أن أسهم في توثيق التراث والتاريخ والتعبير عن آمال الشعوب وتطلعاتها من خلال الألوان والرموز والتقنيات”.