مــسارات سـياحـية فارهـة بولايـة الـنـعامة

القصور العتيقة..أصداء الحضارات وذاكــرة الـوطـن

النعامة: محمد أمين سعيدي

تزخر ولاية النعامة بمؤهلات سياحية وتاريخية هامة بإمكانها المساهمة بشكل كبير في إنعاش المنطقة وتحريك عجلة التنمية، خاصة الاستثمار في القطاع السياحي، كالقصور العريقة المتواجدة بمختلف بلديات الولاية، والتي تظل إلى اليوم في حاجة إلى عناية واهتمام أكثر، خاصة من ناحية ترميمها وإعادة تهيئتها..

القصور العريقة والعتيقة بولاية النعامة تعد من أهم رموز ومعالم المنطقة، فهي تشهد بدلالاتها المعمارية والجذابة على عمق وعراقة تاريخ هذه الولاية، ومظهر من مظاهر استقرار السكان بها طيلة عقود من الزمن، فقصور ولاية النعامة لها أبعاد تاريخية، ثقافية، اجتماعية، دينية، سياحية واقتصادية تسهم في تحريك التنمية المحلية، من خلال إنعاش الحرف والصناعات التقليدية، والفنون الشعبية، والتراثية التي تشتهر بها المنطقة بعرضها للتعريف بها والترويج لها، وتسويقها عبر كل الفضاءات المتاحة كالساحات الموجودة بهذه القصور خلال المواسم والتظاهرات المحلية ـ حسب مسؤولي القطاع بولاية النعامة ـ واستغلالها كعائدات إيجابية على سكان هذه القصور، وخلق مناصب الشغل، وكذا جلب فرص الاستثمار، خاصة وأن مناطق التوسع السياحي قريبة جدا من هذه القصور، مما يجعل الاستثمار بها يساهم في نمو وتشغيل الخدمات المساندة، كالفنادق، والسكنات في إطار صيغة الإيواء لدى الساكنة، أماكن التنزه، المطاعم، النقل..وغيرها.

القصور.. مسارات سياحية ثقافية

القصور العريقة بولاية النعامة أصبحت اليوم قبلة للسياح، خاصة خلال مواسم السياحة الصحراوية أو السياحة الداخلية، وحتى خلال موسم الاصطياف، حيث أصبحت تدخل ضمن المؤهلات الثقافية وسياحة المعالم الأثرية بالمنطقة، خاصة وأنها ترتكز بالجهة الجنوبية للولاية، حيث تعتبر “جبال القصور” المكان الذي تتوفر به أغلب القصور القديمة، والقصور حاليا هي مسار سياحي معتمد من بين الستة مسارات سياحية المعتمدة بالولاية.
وحسب مديرية السياحة والصناعات التقليدية لولاية النعامة، فإنّ المسار السياحي الثقافي القصور، يمثل مجموعة القصور الستة المتواجدة بولاية النعامة، وهي: قصر صامر بعسلة، قصر تيوت العتيق، قصر سيدي بوتخيل بالعين الصفراء، قصر مغرار الفوقاني، قصر مغرار التحتاني (قلعة الشيخ بوعمامة) والقصر العتيق بالصفيصيفة، حيث يعود تاريخ تشييدها إلى أكثر من عشرة قرون مضت، ولا تزال لحد الآن الشاهد الحي لذاكرتنا التاريخية وهويتنا الوطنية، حيث أن هذه المعالم التاريخية، الثقافية والأثرية تروي الأحداث التي صنعوها عبر التاريخ.
القصور العتيقة والعريقة بولاية النعامة متواجدة بجنوب الولاية، وهي بداية سلسلة القصور بالجنوب الجزائري من الجهة الغربية، كانت تابعة جميعها لبلدية عين الصفراء التي سميت بـ«عاصمة جبال القصور”، خاصة وأنها كانت مركز المنطقة الثامنة التابعة للولاية الخامسة التاريخية.
وهذه القصور هي: قصر “صامر” ببلدية “عسلة” بني في القرن 15 ميلادي/09 هجري بمساحة تقدر بـ19255م2 على ربوة تدعى “ضلعة تاوزة”، مربع الشكل، بطابقين، تتخلله أزقة ضيقة، يتوسطه مسجد، وله أبواب رئيسية هي: ( باب اولاد حماد، باب اولاد عزوز، باب اولاد عجاج، باب اولاد بوجمعة)، وما تبقى منه عبارة عن أطلال.
 قصر “الصفيصيفة” يقع جنوب غرب مقر الولاية ويبعد عنها بـ100 كلم، شيد في القرن 14م/08هـ، مثلث الشكل بني بالحجارة والطين، مسقف بأعمدة الصفصاف، العرعار والنخيل، يوجد به موقع دفاعي وله ثلاثة أبواب رئيسية تؤدي إلى المسجد العتيق، ومنه إلى ساحة “تشرافت”، يتكون من مجمع سكني به زاوية سيدي أحمد بن موسى، وتسعة أضرحة.
«القصر العتيق” بتيوت، ويقع بمدينة تيوت جنوب مقر الولاية بحوالي 90 كلم بجانب الطريق الوطني رقم 47 الرابط بين عين الصفراء وولاية البيض، بني في القرن 14م/08 هـ، بالطين والحجارة وسقف بحشائش النخيل والعرعار بني من طرف عائلة الأحلاف التي استقرت بتيوت عام 1250، وهو على شكل مجمع سكني تفصله أزقة تؤدي إلى المسجد العتيق، دار الضياف، به عشرة أضرحة، وهو ذو طابقين علوي وسفلي، وله ثلاث مداخل رئيسية: باب سيدي أحمد بن يوسف، باب هلال، وخناق.
قصر “قلعة الشيخ بوعمامة” ببلدية مغرار، كان يسمى سابقا بقصر مغرار التحتاني وهو من القصور القديمة والعريقة بالجنوب الغربي الجزائري، بني بالطين وجذوع النخيل على منحدر الجبل وفق استراتيجية عسكرية دفاعية، مما جعل قائد المقاومة الشعبية بالجنوب الغربي الشيخ بوعمامة يتخذه مركزا لانطلاق مقاومته ضد الاستعمار الفرنسي 1881 - 1909، ومنه انطلقت شرارة أطول مقاومة شعبية بالجزائر، ولاتزال أبراج المراقبة التي شيدها قائمة، يطل هذا القصر على واحة النخيل، وبه ينبوع مائي يعرف باسم عين سيدي بحوص الحاج، ويتكون من سكنات لم تبقى منها إلا الأطلال، إلا أنه تم ترميم المسجد العتيق وزاوية الشيخ بوعمامة ودار الضياف، والمتحف، ويتوفر على أربعة مداخل رسمية وهي: باب آيت علي، باب الشرفة، باب اغرو النقب، ومخرج اولاد الفاطمي.
 قصر “مغرار الفوقاني”ويقع هو الآخر بجنوب الولاية ببلدية مغرار، بين الواحة والطريق الوطني رقم 06 بني ما بين القرنين 16م10/ هـ  ـ17 م/11هـ على مساحة تقدر بـ02 هكتار، شيده سيدي عيسى الدهماوي حوالي سنة 1083 هجري، يتوفر على أربع مداخل بها ممرات صغيرة وملتوية، و(04) دروب وهي اولاد زيان، اولاد الشيخ، اولاد عيساوي، ودرب اولاد مكي، تتوسطه ساحة تتكون من 45 مسكنا، ومن المسجد العتيق..
أما قصر “سيدي بوتخيل” بالعين الصفراء فهو حديث النشأة مقارنة مع القصور الأخرى الموجودة بالولاية، لكن زالت معظم بناياته، سمي بقصر سيدي بوتخيل نسبة إلى الولي الصالح سيدي بوتخيل الذي استقر بهذا المكان منذ حوالي أربعة (04) قرون، هذا القصر تم تهديمه بنسبة 98 % باستثناء المسجد العتيق ومنزل أو منزلين، وتم بناء مكانه سكنات أخرى.

الترميـم والتصنيــف..

تسعى الجهات الوصية بالولاية لتهيئة وترميم مختلف القصور المتواجدة بولاية النعامة، وقد أكد منصور العربي رئيس مصلحة التراث بمديرية الثقافة والفنون لولاية النعامة، على استفادة ثلاث قصور بالولاية من عمليات الترميم في إطار صندوق تنمية مناطق الجنوب، وهي قصر الصفيصيفة، قصر عسلة، وقصر مغرار، وهذا سنة 2001 بغلاف مالي معتبر، وأضاف رئيس مصلحة التراث أن قصر الصفيصيفة الذي استفاد من هذا البرنامج ينتظر أن تسجل له عملية إعداد دائم لحفظ واستصلاح القطاع المحفوظ، مع العلم أن القصر مسجل ضمن قائمة الجرد الإضافي بموجب القرار رقم 541 المؤرخ في 23 سبتمبر 2010، وتم إعادة تسجيله بموجب القرار رقم 412  المؤرخ في 17 مارس 2022، وقد تمت الموافقة على تصنيفه كقطاع محفوظ بتاريخ 16 جانفي 2023 من طرف اللجنة الوطنية للممتلكات الثقافية.
 كما استفاد قصر مغرار هو الآخر من عملية الترميم سالفة الذكر، والتي مست ـ يضيف منصور العربي ـ كل من المسجد، الأزقة، الساحة، والحائط الواقي..وهو كذلك مقترح لتصنيفه كقطاع محفوظ على مستوى الوزارة الوصية، في حين استفاد قصر قلعة الشيخ بوعمامة أو مغرار التحتاني من رخصة برنامج تقدر بـ31 مليون دج سنة 1996، حيث تم إنجاز متحف، خمسة محلات للجمعيات الحرفية، وكذا عملية ترميم القصر الشطر الثاني سنة 2002 بغلاف مالي يقدر بـ30 مليون دج، حيث تم إنجاز دار الضياف، بتسع حصص وهي خاصة بجناح الاستقبال، الإيواء، الخدمات، الإدارة، قاعة متعددة النشاطات، مسكن وظيفي، مرافق تقنية، التهيئة الخارجية والتهيئة الداخلية للجناح “ أ “ وهو مسجل ضمن قائمة الجرد العام للممتلكات الثقافية العقارية، ومسجل في قائمة الجرد الإضافي سنة 2010، وتم إعادة تسجيله سنة 2023، ومقترح ـ حسب المتحدث ـ تصنيفه كمجموعة معالم أثرية، مشيرا إلى أن الملف يتواجد لدى مصالح الوزارة الوصية.
في حين أن ثالث قصر استفاد من نفس العملية الخاصة بتنمية مناطق الجنوب، هو قصر “عسلة” الذي عرف ترميم الدروب، ساحة القصر والمسجد، كما أنه سجل في قائمة الجرد الإضافي سنة 2010، وتم إعادة تسجيله سنة 2022، ومقترح لتصنيفه كموقع أثري، أما قصر تيوت العتيق فقد استفاد سنة 1998 من عملية دراسة بتكلفة مالية معتبرة، واستفاد من عملية الترميم سنة 2000 بغلاف مالي يقدر بثمانية ملايين دج لترميم المسجد والمدرسة القرآنية، وعملية ترميم أخرى خاصة بترميم مدخل سيد الخلادي، إلى مدخل بن ميلود، ترميم الحائط الواقي خارج احفير، تهيئة كل من المسجد، المتحف، المخرج الجنوبي للمتحف، الإدارة..وهو في انتظار تصنيفه كقطاع محفوظ. وأضاف العربي منصور رئيس مصلحة التراث بمديرية الثقافة أن قصر “سيدي بوتخيل” بعين الصفراء قد استفاد من عملية دراسة ومتابعة ترميم وإعادة تهيئة، برخصة برنامج تقدر بثلاثة ملايين دج، حيث عرفت العملية عدة مراحل منها مهمة جمع البيانات والمصدر التاريخي % 45، مهمة حالة الحفظ والتشخيص 20 %، مشروع الترميم 30 %، أما المراحل المتبقية ـ يقول ـ فهي مهمة المساعدة في اختيار المؤسسات، مهمة النشر، مع العلم أن قصر “سيدي بوتخيل” مسجل ضمن قائمة الجرد الإضافي سنة 2013، وتم إعادة تسجيله سنة 2024.
القصور العريقة بولاية النعامة تعتبر شاهدا حيا على الذاكرة التاريخية والهوية الوطنية، فهي معالم تاريخية وأثرية تروي جزءا من تاريخ هذا الوطن ونمط معيشة أسلافنا، كما تكشف عن الموروث الثقافي الزاخر للمنطقة، فهي مهد الحضارات عبر العصور وتبقى اليوم في حاجة إلى عناية واهتمام أكثر بتسجيل برنامج هام لترميمها جميعا، كونها تسهم في إنعاش السياحة الداخلية والدفع بحركة التنمية المحلية، وبناء اقتصاد مستدام.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19779

العدد 19779

الخميس 22 ماي 2025
العدد 19778

العدد 19778

الأربعاء 21 ماي 2025
العدد 19777

العدد 19777

الثلاثاء 20 ماي 2025
العدد 19776

العدد 19776

الإثنين 19 ماي 2025