يحتضن مركز الفنون “الكنوز” معرضا فنيا للفنان التشكيلي محمد باكلي، المعروف بـ “كليمو”، تحت عنوان “بأذرع مفتوحة”، ويتواصل إلى غاية 7 جوان المقبل، يقدّم هذا المعرض رحلة بصرية عبر محطات إبداعية من مسيرة فنية انطلقت مطلع الثمانينيات، ويجمع بين لوحات تعود إلى أول معرض للفنان سنة 1981 بقاعة الموقار بالجزائر، وأخرى حديثة تُجسد نضج تجربته وتحولاتها الجمالية.
يعرض باكلي في هذا الفضاء أعمالا تمثّل محطات أساسية من مشواره، حيث عمد إلى تجميع خلاصات معارضه السابقة ضمن توليفة بصرية، تُبرز تنوّع أساليبه وتعدّد تقنياته وتدرّج موضوعاته. وتُشكل هذه الأعمال، التي تتجاوز الأربعين لوحة، محاولة لاسترجاع تطور لغته التشكيلية التي تراوحت بين الانطباعية، التعبيرية، التجريد، والبحث في المفاهيم البصرية الحديثة.
في حديثه داخل المعرض، يوضّح محمد باكلي أنه بدأ العمل على “التيمات الكبرى” منذ بداية التسعينيات، مستندا إلى تأملات نشأت في الطفولة وتكوين أكاديمي نضج في مدارس الفنون الجميلة بقسنطينة والجزائر، ثم تعزّز في الأكاديمية الملكية ببروكسل. ويذكر أنّ بداياته تأثرت بالانطباعية الفرنسية، خصوصا كلود مونيه، ثم فان جوخ، قبل أن يكتشف في مرحلة لاحقة أعمال بيار سولاج، الذي أثر فيه بتعامله المعماري مع الضوء، وزاو ووكي الذي فتح أمامه أفق التعبير التجريدي الروحي.
ويرى باكلي أنّ هذه التجارب جعلته يتجاوز الشكل إلى الجوهر، ويقول في هذا السياق: “لقد تخلّيت عن الزخارف البصرية لصالح ما هو شعوري، حتى صرت أنساق وراء انفعالاتي، لأجد نفسي في قلب التعبيرية التجريدية”. ويضيف بأنّ حضور سولاج في أعماله ليس مباشرا، لكن تأثيره فيه كان عميقا من حيث البنية والإضاءة، فيما شكّل زاو ووكي بوابة نحو أبعاد أكثر روحانية واتساعا في اللوحة”.
ومن بين المفاهيم التي يشتغل عليها الفنان حاليا ما يُسميه “الرنين الترددي البصري”، وهو تصور مستلهم من حقل الصوتيات، يسعى من خلاله إلى إحداث تفاعل حسي بين المتلقي والصورة “الرنين ليس فقط ظاهرة صوتية أو فيزيائية”، يقول باكلي، “بل هو أيضاً انفعال بصري، فإذا نجح الفنان في زرع حركة داخلية في لوحته، فإنها تهتز وتُحدِث صدى داخل المشاهد”.
وتكشف لوحات محمد باكلي عن وعي حاد بالتوازن بين التجريد والانتماء، حيث يحضر الموروث الثقافي الجزائري، المادي واللامادي، في أشكال ورموز تتداخل مع أساليب حديثة، تمنح العمل طابعاً محلياً بنَفَس كوني. كما يظهر في أعماله حسّ شعري واضح، يتجلى في اختيار الألوان، تنظيم الفضاء، وتفاصيل التكوين، ما يضفي على تجربته طابعاً تأمليا بعيدا عن الخطابية أو الزخرفة.
ويُصرّ الفنان باكلي على أنّ “الثقافة والتراث ليسا مجرد خلفية أو موضوع فني، بل هما مادة وجودية يجب الحفاظ عليها عبر الفن والعمل التوعوي”، معتبرا أن الفن التشكيلي وسيلة فعالة لاستعادة هذه القيم وتجديد حضورها في الوعي الجماعي.
ولد محمد باكلي سنة 1957 في تافيلالت بولاية غرداية، وهو فنان تشكيلي وسينوغرافي وأستاذ مكوّن وكاتب. درس الفنون الجميلة في قسنطينة والجزائر العاصمة، ثم تابع دراسته العليا في الأكاديمية الملكية للفنون في بروكسل. له مشاركات عديدة في معارض وطنية ودولية، في بلدان مثل فرنسا، بلجيكا، ألمانيا، سويسرا، تونس، الأرجنتين، إيطاليا، إنجلترا، الولايات المتحدة وصربيا.
ويُعد معرض “بأذرع مفتوحة” تتويجا لتجربة فنية ناضجة، حيث يفتح محمد باكلي نافذة على عالمه التشكيلي الخاص، ويقدّم للزوار فرصة فريدة لاكتشاف رؤيته للفن، الحياة، والتراث، في لوحات تنبض باللون والمعنى والذاكرة.