اختتمت مؤسسة دار الثقافة رشيد ميموني بولاية بومرداس فعاليات شهر التراث، بتنظيم جملة من الأنشطة الفكرية والمداخلات التي عكست أهمية الحدث وأهدافه المسطرة، وأيضا مناقشة وإثراء محاوره الرئيسية التي عكست شعار هذه السنة حول أهمية الذكاء الاصطناعي في حماية التراث المادي واللامادي ومواجهة مختلف التحديات الراهنة، خصوصا ما تعلق بظاهرة القرصنة الالكترونية وتهريب الآثار عبر الشبكات المنظمة..
نظمت دار الثقافة رشيد ميموني ندوة فكرية وتحسيسية كانت بمثابة اختتام برنامج فعاليات شهر التراث لهذه السنة، تناولت عددا من المحاور المتعلقة بأهمية حماية هذا البعد الحضاري والثقافي وترقيته باستغلال التقنيات الحديثة التي يطرحها الذكاء الاصطناعي، مع استعراض أهم النصوص القانونية والتشريعات التي وضعتها الدولة في سبيل حماية الموروث الجزائري المادي واللامادي من ظاهرة القرصنة الالكترونية وعملية التهريب الممارسة في إطار الجريمة المنظمة العابرة للحدود، التي تشتغل على هذا العنصر الحيوي المؤسس لهوية وأصالة الشعوب والمجتمعات ومنها المجتمع الجزائري المعروف بتنوعه وثرائه في هذا الجانب.
في هذا الموضوع بالذات، استعرضت الباحثة في علم الآثار ومديرة مركز فنون وثقافة وقصر رياس البحر حصن 23 بالعاصمة فايزة رياش في مداخلة بعنوان “دور المنظومة القانونية الجزائرية في حماية التراث من التجارة غير الشرعية” أهم التدابير والإجراءات القانونية التي وضعتها الدولة، منها القانون 04/98 لحماية التراث الوطني وترقيته، وكذا الجهود المبذولة في الميدان من قبل المصالح والهيئات المختصة لمكافحة الجريمة المنظمة المتعلقة بتهريب الآثار والقطع الثمينة، خصوصا عبر ولايات الحدود، مع الدعوة إلى تنسيق الجهود وعقلنة استعمال واستغلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي في حماية وصون التراث، حفاظا على أصالته وخصوصيته وحتى لا يعطي نتائج عكسية”.
كما عرضت أهم الجهود التي تبذلها الجزائر لحماية تراثنا الثقافي المادي واللامادي عبر الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها منذ الاستقلال، بدءا باتفاقية 1972 لحماية المواقع الأثرية، اتفاقية حماية وصون التراث المغمور بالمياه لسنة 2001، اتفاقية حماية وصون التراث غير المادي لسنة 2003، وغيرها من الاتفاقيات والمبادرات لتسجيل أهم المواقع في قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو كموقع تيبازة، تيمقاد، جميلة، قصور بني ميزاب، قصبة الجزائر، التاسيلي ناجير، إضافة إلى العناصر غير المادية المسجلة مؤخرا من لباس تقليدي، موسيقى، عادات اجتماعية..مع إعداد ملفات لتسجيل عدد من الأكلات التقليدية منها طبق الكسكسي وغيرها من الكنوز الأخرى المهددة بمختلف الأشكال التقليدية والمستحدثة عبر الشبكات الحديثة وظاهرة القرصنة الالكترونية”.
كما استعرض محافظ الشرطة جلال مرزوقي ممثل مديرية الأمن الولائي لولاية بومرداس في مداخلة تحت عنوان “دور التكنولوجيا في حماية الآثار” المجهودات التي تبذلها مختلف الوحدات والهيئات الأمنية ومصالح الجمارك في مكافحة ظاهرة النهب والتهريب الذي يتعرض له التراث الجزائري، خاصة المادي منه، وهذا باستحداث وحدات متخصصة، وبتقنيات تكنولوجية متطورة مكيفة مع تطور الأساليب المستعملة من قبل المهربين والشبكات الإجرامية المنظمة، للحد من الآفة وصون التراث الجزائري الأصيل المهدد بقوة.
وتبقى مهمة حماية وصون الموروث الجزائري المادي واللامادي مسؤولية الجميع، مثلما أجمع عليه المشاركون في الندوة ولا يقتصر فقط على المؤسسات الرسمية، بل يجب انخراط جميع الفاعلين من خبراء وباحثين، هيئات ثقافية وجمعيات مختصة في التراث والآثار التي تنشط محليا، إلى جانب إشراك وسائل الاعلام التي بإمكانها المساهمة بفعالية في إنجاح هذه الاستراتيجية، مع توسيع مجال التدريب والتكوين لاكتساب التقنيات التكنولوجية الحديثة، خاصة الذكاء الاصطناعي الذي يمكن استغلاله في ترقية وحماية التراث الثقافي الذي أصبح مادة دسمة في النزاعات كغيرها من الموارد الاقتصادية.