اختتمت أمس الأول الخميس بالمتحف الوطني الباردو بالجزائر، فعاليات الورشة التكوينية الثانية في مجال “حماية التراث الثقافي ومكافحة الإتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية” لفائدة القضاة، والتي نظمتها وزارة الثقافة والفنون بالتنسيق مع قطاع العدالة، في إطار شهر التراث (18 أفريل ـ 18 ماي)، تحت إشراف وزير الثقافة والفنون زهير بللو، بحضور ممثلي وزارة الدفاع الوطني ووزارة العدل ومختلف الأسلاك الأمنية وباحثين مختصين.
خضع المشاركون خلال هذه الدورة لبرنامج بيداغوجي وتطبيقي تخلّلته ورشات عبر عدة مؤسسات متحفية بولاية الجزائر، وكذا زيارات للمتاحف الوطنية والمدرسة الوطنية لحفظ التراث الثقافي وترميمه والمركز الوطني للبحث في علم الآثار والمواقع الأثرية بتيبازة، إضافة إلى الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية بالموقع الاثري تيبازة.
ورشات ذات العلاقة بحفظ الذّاكرة
سلّطت المداخلات التي عرفتها الورشة التكوينية الثانية، وشارك فيها 20 قاضيا، الضوء على ما يشكّله التراث الثقافي الوطني، بشقيه المادي وغير المادي من ركيزة أساسية في بناء الهوية الوطنية وحفظ الذاكرة الجماعية، وذلك بالنظر لما أقرّه الدستور الجزائري حول هذا البعد من خلال التأكيد على التزام الدولة بحماية هذا التراث، حيث نصّت مادته 76 بوضوح على أن “الدولة تحمي التراث الثقافي الوطني المادي وغير المادي وتعمل على الحفاظ عليه”.
كما أكّدت أوراق المتدخلين على الخطر الذي يواجهه اليوم هذا التراث الثقافي، من تهديدات متزايدة نتيجة تطور أساليب الجريمة المنظمة وتوسع استخدامها للتكنولوجيا الحديثة، لاسيما فيما يتعلق بالسرقة والاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية والهجمات السيبرانية على المواقع والمعطيات ذات الصلة بالتراث الثقافي.
وفي المقابل سمحت الجهود المبذولة من أجل حماية وصون الممتلكات الثقافية، وبواسطة ما أبان عنه الذكاء الاصطناعي من إمكانات مهمة في مجالات التوثيق والحفظ والترميم الرقمي، وما فرضه من تحديات جديدة تتعلق بالقرصنة والتزييف للمحتوى الثقافي، إبراز مقاربة متوازنة توظف هذه الأدوات لحماية التراث دون الإضرار بأصالته.
رؤى واستراتيجيات لحماية التّراث
تناولت هذه الورشة مواضيع مهمة منها “استراتيجية وزارة الثقافة والفنون لحماية التراث الثقافي، أطّرها عمار نوارة، مدير الحماية القانونية للممتلكات الثقافية وتثمين التراث الثقافي بوزارة الثقافة والفنون، “الحماية القانونية للممتلكات الثقافية في التشريع الوطني والدولي” مع مسعود بنيو مستشار لدى الغرفة الجزائية بمجلس قضاء تيبازة، إلى جانب “نماذج من الخبرات العلمية المنجزة في الشـرق الجزائري”، “الخريطة الأثرية الجزائرية، حماية التراث الثقافي في الحظائر الثقافية”.
وتعرّف المشاركون في هذه الورشة التكوينية على دور الدرك الوطني في مكافحة جرائم المساس بالتراث الثقافي، وذلك من خلال مداخلة قيمة قدّمها النقيب يحي جبار رئيس فصيلة حماية التراث الوطني بقسم الوقاية والأمن العمومي بقيادة الدرك الوطني، كما قدّم عميد أول للشرطة مولاي عاشور، رئيس مكتب المخالفات المالية بمديرية الشرطة القضائية مداخلة تخص مقاربة المديرية العامة للأمن الوطني في مكافحة جرائم المساس بالتراث الثقافي، فيما تطرق المفتش العميد عبد الحليم لشهب بالمديرية العامة للجمارك الجزائرية، في مداخلته إلى دور الجمارك الجزائرية في حماية التراث الثقافي.
وفيما يخص الإطار القانوني ودور الديوان في حماية مصنفات التراث الثقافي التقليدي، قدّم نائب مدير الشؤون القانونية بالديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، حداد شمس الدين، مداخلة ذات صلة، أما رئيسة الخلية المركزية لمتابعة وتحيين البوابة الجغرافية لقطاع الثقافة والفنون سميحة بايع راسو، تناولت في مداخلتها “حماية وتثمين التراث الثقافي عن طريق رقمنة البوابة الجغرافية لقطاع وزارة الثقافة والفنون”.
وبالصور التوضيحية قدّم الأستاذ الدكتور عمروني توفيق، من معهد الآثار، جامعة الجزائر 2 مداخلة حول “كيفية التعرف على القطع النقدية القديمة”، ومن جانبه قدّم مدير المدرسة الوطنية العليا لحفظ التراث الثقافي وترميمه محمد الشريف حمزة، مداخلة حول “حماية وتثمين الفسيفساء القديمة”، أما مديرة المتحف العمومي الوطني بسطيف شادية خلف الله فقد تناولت شروحات تتعلق بـ “الخبرة العلمية للمحجوزات..الطرق والكيفيات”، كما تطرّق مدير الديوان الوطني للحظيرة الثقافية للأطلس الصحراوي كمال ستيتي في مداخلته إلى “دور الحظيرة الثقافية للأطلس الصحراوي في الحفاظ على التراث الثقافي في وسطه البيئي”.
وقد عرف الحفل الختامي الوقوف دقيقة صمت ترحّمًا على شهداء مجازر 08 ماي 1945، كما ألقى ممثّلو المشاركين كلمات تقييمية. واختُتم بتسليم الشّهادات للمشاركين والمؤطرين.
حماية التّراث الثّقافي..واجب وطني
يُذكر أنّ وزير الثقافة والفنون زهير بللو صرّح خلال إشرافه على افتتاح فعاليات الورشة التكوينية الثانية لفائدة القضاة، أن “حماية التراث الثقافي مسؤولية الجميع”، وكذا “واجب وطني واستحقاق استراتيجي يعكس عمق الانتماء وهوية الأمة”، وأكّد بأن الجهود المشتركة أثمرت عن استرجاع ما يقارب 14.651 ممتلكا ثقافيا، وتأسّس قطاع الثقافة والفنون طرفا مدنيا في 44 قضية تتعلق بالإتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، وأضاف بأن عام 2024 عرف دراسة 48 ملفا على مستوى 24 ولاية تتعلق بمختلف التجاوزات على الممتلكات الثقافية غير المنقولة كالمواقع الأثرية والمعالم التاريخية، حيث تمّ على إثرها رفع 10 دعاوى قضائية.
وأشار الوزير إلى أنّ الجهود المبذولة خلال السنة المنصرمة وبداية 2025 توجت بترميم 100 مخطوط و14 صورة حجرية (ليتوغرافي)”، كما مكّن من جهته مشروع الرقمنة من رقمنة 3100 مخطوط بالمكتبة الوطنية و17 ألف وثيقة إضافية خارجها”.
مكافحة الإتجار بالممتلكات الثّقافية..ضرورة
ومن جهته قال ممثّل وزير العدل حافظ الأختام، عون سيف الدين، أن “تنظيم الطبعة الثانية من هذه الورشة بعد نجاح الورشة الأولى التي تم إطلاقها السنة الماضية، دليل على العناية التي يوليها قطاع الثقافة والفنون للحفاظ على الموروث الثقافي الوطني الغني، الذي يبرز الهوية الوطنية، سيما في ظل التجاذبات الحالية التي تحاول أن تطال هذا الموروث على المستوى الدولي وحتى الإقليمي”، كما أكد على مواصلة التعاون مع قطاع الثقافة والفنون، و«التنسيق الدائم والمتواصل” معه ومع مختلف المصالح الأمنية والإدارية والمجتمع المدني من أجل الحفاظ على التراث الثقافي، ومكافحة الإتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية.