يعد مسلسل «الرباعة» للمخرج وليد بوشباح من أبرز الأعمال التي حققت انتشارا واسعا، وتصدّر قائمة الأعمال الأكثر مشاهدة منذ عرض حلقاته الأولى خلال هذا الموسم الرمضاني، حيث استطاع أن يجذب المشاهدين بمزيجه الذكي بين الكوميديا والتشويق.
يقدّم مسلسل «الرباعة» قصة تدور حول مجموعة من المحتالين الذين يعتمدون على الحيلة والتنكر لتنفيذ عملياتهم، بأسلوب يجمع بين الطرافة والإثارة. وبفضل السيناريو المحكم، والإخراج المتقن، والأداء القوي للممثلين، نجح «الرباعة» في أن يصبح حديث الجمهور، لكنه في الوقت نفسه لم يسلم من بعض الملاحظات التي تضعه أمام تحدي تقديم محتوى متجدد بعيدا عن النمطية.
واحدة من أبرز نقاط القوة في «الرباعة» هي جودة الأداء التمثيلي، حيث يضم طاقم العمل نخبة من الوجوه البارزة في المشهد الفني الجزائري، مثل نبيل عسلي، نسيم حدوش، حكيم زلوم، عادل شيخ، ربيع أوجاووت وعديلة بن ديمراد، الذين أظهروا قدرات كبيرة في تقديم شخصياتهم بطريقة مقنعة، حيث يتميز كل منهم بطابع خاص يميزه داخل المجموعة، مما خلق تناغما لافتا بين الشخصيات.
لقد أبدع نبيل عسلي في تقديم دور القائد الماكر الذي يقود الفريق بخطط ذكية، بينما أضاف نسيم حدوش بلمسته الكوميدية روحًا خفيفة للمسلسل، أما حكيم زلوم وعادل شيخ فقد نجحا في إبراز التناقضات داخل المجموعة، مما زاد من التوتر الدرامي بطريقة ممتعة. وهذا التنوع في الشخصيات جعل المشاهد يشعر بأنه يتابع فريقا متكاملا، حيث لكل فرد دوره ومهاراته التي تساهم في تنفيذ الخطط.
ومن الناحية البصرية، يتمتع «الرباعة» بجودة إخراجية جيدة، حيث استخدمت تقنيات تصوير حديثة تعكس أجواء الجريمة والتشويق بأسلوب احترافي. فالمشاهد تم تصويرها بزوايا متنوعة تخلق إحساسا بالحركة والتوتر، خاصة في اللقطات التي تتطلب متابعة تفاصيل دقيقة أثناء عمليات الاحتيال والتنكر. كما أن الإضاءة والألوان المختارة أعطت المسلسل هوية بصرية متميزة، حيث توحي الأجواء الداكنة أحيانا بالغموض بينما تضفي المشاهد الأكثر إضاءة حس الفكاهة والانسيابية.
جانب آخر لاقى استحسان الجمهور هو توظيف اللهجات المحلية، مثل اللهجة السكيكدية، التي أضافت بعدا واقعيا وحميميا للعمل. واللهجة الجيجلية أيضا، وهو ما يعزز التنوع اللغوي في الإنتاج التلفزيوني الجزائري.
ومن حيث السيناريو، فإن الحبكة الرئيسية تحمل الكثير من التشويق، ولكنها في بعض الأحيان تسير في اتجاهات متوقعة، إذ أن نجاح المسلسل في بناء شخصيات ممتعة لا يعني بالضرورة أن القصة تخلو من بعض التكرار في الأحداث. فبعض المشاهد يشعر المشاهد بأنها مألوفة أو مستوحاة من أعمال سابقة، خاصة فيما يتعلق بأسلوب الاحتيال وتفاعل الشخصيات داخل الفريق. وهذا لا يعني أن المسلسل لا يقدم لحظات مفاجئة، ولكن بعض التوقعات حول ما سيحدث لاحقا تكون واضحة منذ البداية، وهو ما قد يقلل من عنصر التشويق في بعض الحلقات.
أما على صعيد الكوميديا، نجح المسلسل في تحقيق توازن جيد بين الفكاهة والتشويق، لكن بعض المشاهد قد تبدو مبالغا فيها أو مكررة. فكان من الأفضل تنويع مصادر الفكاهة وعدم التركيز على نفس النمط بشكل متكرر. ومع ذلك، فإن التفاعل العفوي بين الممثلين والحوار السلس غطى على هذه المواقف من أن تصبح ثقيلة أو مملة.
وبشكل عام، تمكّن «الرباعة» من تقديم تجربة مشاهدة ممتعة وناجحة، لكنه يبقى أمام تحدي الحفاظ على عنصر التشويق وكسر بعض الأنماط المتوقعة. وتبقى قدرته على جذب الجمهور حتى الآن دليل على أنه يمتلك عناصر قوة تجعله مختلفا عن غيره.