تعرف العلاقات الجزائرية- الأميركية، في الأشهر الأخيرة، زخمًا متصاعدًا وتطورًا ملحوظًا على صعيد تنويع التعاون الثّنائي بين البلدين، ليشمل مجالات جديدة اقتصادية وتكنولوجية، بالتوازي مع ترسيخ الشراكة الأمنية والطاقوية القائمة منذ أمدٍ بعيدٍ.
تتّجه العلاقة بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية، إلى أوجه تعاون جديد يمسّ شتى القطاعات، كالصناعة والزراعة والإنتاج الصيدلاني والسياحة، تعكسه عديد الزيارات التي قام بها مسؤولو الدولتين على مدار الأسابيع القليلة الماضية، وتصريحات مفعمة بالإيجابية صدرت عن سفراء وممثلي السلك الدبلوماسي للبلدين، تجسيدًا لطموحات رفع الشّراكة الثنائية إلى أعلى المستويات.
وفي حوار أجراه في وقت سابق مع جريدة L’OPINION الفرنسية، قال رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، إن العلاقات بين الجزائر الولايات المتحدة ظلّت في مستوى جيّد مع جميع الرؤساء الأمريكيين، سواءً كانوا ديمقراطيين أو جمهوريين، والجزائريون لن ينسوا أبدًا أن واشنطن عرضت المسألة الجزائرية إبّان حرب التحرير الكبرى على هيئة الأمم المتحدة.
وأفاد رئيس الجمهورية في سياق كلامه للصحيفة، أن أكبر مشاريع الجزائر المجسّدة في عهد رؤساء سابقين للجزائر، جرى إنجازها مع الأمريكيين، سواءً في قطاع المحروقات أو مجالات أخرى. مضيفًا، أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي لديها مدينة تحمل اسم البطل القومي الجزائري الأمير عبد القادر.
وقبل أيام، أكد سفير الجزائر لدى واشنطن، صبري بوقادوم، أن الجزائر تسعى لتعزيز روابطها السياسية والأمنية والاقتصادية مع الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب، حسبما نقله موقع «ديفانس سكوب» الأمريكي.
واستنادًا إلى المصدر، فقد ناقش بوقادوم مع صحفيين بمقر السفارة، أهداف الجزائر لتعزيز علاقاتها العسكرية والاقتصادية مع أمريكا، وعرَض الفرص الكبيرة المتاحة للتعاون الثنائي بين البلدين في مختلف القطاعات والمجالات غير الطاقوية.
إلى ذلك، التقت السفيرة الأمريكية في الجزائر، إليزابيث مور أوبين، بوزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، لمناقشة المحادثات الأخيرة التي أجرتها في واشنطن، وفقًا لبيان صادر عن سفارة الولايات المتحدة.
كما ذكّرت السفارة الأمريكية بتصريح الرئيس تبون حول تاريخية العلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة، مبرزة وجود العديد من الفرص لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين.
وفي اجتماعٍ آخر، قابلت السفيرة أوبين، وكيل وزارة الخارجية للنمو الاقتصادي والطاقة والبيئة، توماس لرستن، وناقشت معه بشكل مثمر مسألة توسيع فرص التعاون الاقتصادي بين الجزائر الولايات المتحدة الأمريكية، الآن وفي المستقبل. وتابعت السفارة بالقول: «إنه وقت حيوي للأعمال في الجزائر، حيث تزداد استثمارات الشركات الأمريكية عبر مختلف القطاعات في البلاد».
وتتويجًا لكل هذه المسارات، استقبل وزير الصناعة، سيفي غريب، أمس الأول، نائب رئيس شركة «أستروويد» المالكة لعلامة «ENC» الأمريكية المتخصصة في صناعة الحافلات والشاحنات، رفقة الشريك الجزائري.
وبعد الاستماع إلى العرض المقدم من قبل الوفد، عبّر ممثلو العلامة عن ارتياحهم الكبير للجو العام للاستثمار داخل الجزائر، خاصة في ظل المقاربة الجديدة التي تتبعها وزارة الصناعة في مجال صناعة المركبات، وأكدوا أن هذا الجو المشجع دفعهم للتقدم بطلب مقابلة الوزير، للتعبير عن نيتهم في الاستثمار بناءً على ورقة الطريق المتعمدة، وفقًا لما أفاد بيان الوزارة.
كما أبدى ممثلو العلامة الأمريكية التزامهم الكامل بتجسيد مشروع نوعي يتماشى مع سياسة الدولة الجزائرية في هذا المجال.
من جهته، شدّد الوزير غريب، على ضرورة استغلال الشبكة الوطنية لمصنعي قطع الغيار من أجل رفع نسبة الإدماج المحلي، لافتًا إلى أهمية مرافقة المصنعين المحليين في مجالات التكوين، وكذلك في إجراءات اعتماد المطابقة.
وفي ظلّ هذه الظروف، مثّلت الجزائر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، شريكًا أساسيًا وموثوقًا في مسائل الأمن والاستقرار في قارة أفريقيا والحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، نظير تجربتها النموذجية والرائدة في مكافحة ظاهرة الإرهاب، وإحلال السلم والسلام في العالم، باعتراف الأمم المتحدة، وشهادات مسؤوليها المتعاقبين على رأس هرم الهيئة الأممية.
ومع تفاقم الوضع الأمني الخطير في منطقة الساحل الإفريقي، الذي تعرف بعض دوله تفككًا دستوريًا، وحالة من عدم الاستقرار وانعدام اليقين السياسي، من الخرطوم شرقاً إلى دكار غرباً، زاد الشغف الأمريكي أكثر بتفعيل دور الجزائر المحوري والمؤثر في القارة السمراء، من أجل دعم جهود إرساء معالم السلم بالإقليم، وتقويض نشاط الجماعات المسلحة المتطرفة والجريمة المنظمة العابرة للحدود والقارات.
ويرى مراقبون، أن العلاقات بين الجزائر وواشنطن تنشد تعميقًا أكبر في ضوء التقارب الحاصل بينهما، للخروج بها من الطابع الكلاسيكي الطاقوي والأمني، إلى شراكة متعددة الأبعاد تشمل الزراعة، والصناعات التحويلية، والصناعات الميكانيكية الخفيفة والثقيلة، والمناجم والمحاجر، والسياحة، الإنتاج الصيدلاني ونقل التكنولوجيا وغيرها من الميادين.