لماذا لا يـتم تـدريـس المـادة للأطفـال في سن مبكـّرة؟
أكّد أستاذ الفلسفة في جامعة باتنة، الدكتور فارح مسرحي، في حديثه لـ “الشعب”، أنّ الفلسفة يمكن أن تلعب دورًا حيويًا في تعزيز قيم الحوار العقلاني والمساهمة في تطوير المجتمعات. وأشار إلى أن تخصيص يوم عالمي للاحتفاء بالفلسفة هو خطوة جيدة ومهمة، لكن في نظره لا ينبغي أن يكون الاحتفال مقتصرًا على يوم واحد فقط، بل يجب أن يمتد طوال العام ليترك تأثيرًا مستدامًا في المجتمع.
أوضح الدكتور فارح مسرحي، أنّ الفلسفة ليست مجرد مجال أكاديمي يقتصر على النظرية والعقل المجرد، بل هي أداة حيوية لفهم الإنسان نفسه والعالم من حوله. الفلسفة هي وسيلة لتحفيز التفكير النقدي والتأمل العميق في مسائل الحياة الكبرى. وقال: “الفلسفة هي أداة تمكن الإنسان من النظر إلى حياته بطريقة أعمق وأكثر وعيًا، مما يساهم في تشكيل رؤية أكثر حرية وعمقًا لما يحيط به”.
وأشار المتحدّث إلى أنّ الفلسفة تساهم في تحسين حياة الإنسان من خلال تطوير أسلوب تفكير منطقي يعتمد على الاستفهام والتساؤل، وهذا بدوره يمكن أن يساعد على اتخاذ قرارات أكثر حكمة ووعيًا. وقال إنّ الفلسفة تدعو الإنسان لتجاوز العادات السطحية والتفكير في الأسس والمبادئ التي تحكم حياته.
فيما يتعلق بالتعليم، أشار فارح مسرحي إلى أنّ أحد الأسباب الرئيسية لضعف تأثير الفلسفة في المجتمع يعود إلى التأخير في إدراجها في المناهج الدراسية. وقال إنّ الفلسفة يجب أن تُدرَّس منذ سن مبكرة في المدارس، بدءًا من المرحلة الابتدائية، حيث يمكن للأطفال التعرف على المفاهيم الفلسفية من خلال أساليب مرحة مثل الألعاب الفلسفية. وأضاف: “لماذا لا يتم تدريس الفلسفة للأطفال في سن مبكرة؟ لماذا يجب أن ننتظر حتى مرحلة الثانوية أو الجامعة؟ الفلسفة جزء من الحياة اليومية، ويجب أن تُدرس كجزء أساسي من العملية التعليمية منذ البداية”.
وتابع إن الفلسفة يمكن أن تُدَرَّس بطريقة تناسب كل مرحلة عمرية، بدءًا من الأفكار البسيطة إلى المفاهيم الأكثر تعقيدًا. ففي البداية يمكن تقديمها على شكل نقاشات بسيطة حول القيم الأساسية مثل العدالة والحرية، ومع تقدم الطلاب يمكن الانتقال إلى مناقشة المدارس الفلسفية المختلفة وتاريخ الفلسفة الكبرى.
كما أكّد الدكتور مسرحي على أهمية تدريس الفلسفة في التعليم الجامعي كمادة أساسية لجميع التخصصات، وليس فقط في الأقسام المتخصصة في العلوم الإنسانية. وقال: “من الضروري أن يتعلم طلبة الطب، الهندسة، والعلوم الاجتماعية الفلسفة، لأنها تساعدهم في فهم الأخلاقيات المهنية وأساسيات التفكير النقدي الذي يُمكِّنهم من التعامل مع القضايا المعقدة في مجالاتهم. فالفلسفة ليست ترفًا فكريًا، بل أداة أساسية لفهم معضلات الحياة والقرارات اليومية”.
وأشار ذات المتحدث، إلى أنّ الفلسفة تُعزّز من قدرة الطلاب على التفكير النقدي، الذي يمكّنهم من معالجة القضايا والمشكلات من زوايا مختلفة. وأضاف أنّه حتى في تخصصات مثل الهندسة والطب، فإن الفلسفة يمكن أن تقدّم منظورًا فريدًا من خلال دراسة الأخلاقيات والتحديات الإنسانية التي قد يواجهها المتخصصون في هذه المجالات.
أحد المحاور المهمة التي تناولها الدكتور فارح مسرحي، هو كيف يمكن توظيف خريجي الفلسفة في سوق العمل، وقال إنّ هناك فرصة كبيرة لفتح مجالات عمل جديدة لخريجي أقسام الفلسفة في مجالات مثل الاستشارات، تحليل السياسات العامة، وتطوير البرامج التنموية. وأضاف أن الفلسفة ليست فقط علمًا أكاديميًا، بل يمكن أن تكون أداة فعالة في تطوير استراتيجيات وسياسات تعزز من تقدم المجتمع.
وأشار إلى أنّ العديد من المؤسسات، سواء كانت حكومية أو خاصة، تحتاج إلى التفكير الفلسفي النقدي لاستشراف المستقبل ووضع خطط طويلة الأجل. وقال: “الفلاسفة يمكن أن يسهموا بشكل كبير في تطوير استراتيجيات التحول الاجتماعي والاقتصادي، من خلال التفكير النقدي العميق وتحليل القيم والمبادئ التي تقود المجتمع في مختلف المجالات”.
واختتم الدكتور مسرحي حديثه، بالتأكيد على أن الفلسفة ليست مجرد دراسة أكاديمية، بل هي أسلوب حياة يمكن أن يسهم في تحسين التعايش بين الأفراد والجماعات في المجتمع. وأضاف أنّ الفلسفة تعزّز من ثقافة الحوار والتسامح، حيث إنّها تدعو إلى التفكير العقلاني والنقد البناء.
وقال: “الفلسفة ليست فقط مناهج وأفكار، بل هي نمط حياة يساهم في خلق مجتمع أكثر عدلاً وتسامحًا. من خلال التفكير العقلاني والنقد البناء، يمكننا معالجة قضايا العصر مثل العنف، التطرف، والحروب، وتعزيز قيم الحوار والتفاهم بين الشعوب”.
وشدّد فارح مسرحي على أنّ الفلسفة هي أكثر من مجرد علم نظري. إنّها أداة أساسية لفهم الحياة بشكل أعمق، وتعزيز القيم الإنسانية مثل التسامح، العدالة، والحرية. ومن خلال إعادتها إلى النظام التعليمي، وتوسيع نطاقها في سوق العمل، يمكن للفلسفة أن تساهم في بناء مجتمع أكثر وعيًا وتقدمًا.