يعد المسجد العتيق أحد أبرز المعالم التاريخية والأثرية في ولاية سعيدة، حيث يجسد شهادة حية على العمق الإسلامي والتراث الثقافي للمنطقة. يعود تاريخ بناء المسجد إلى عام 1886، وفقا لروايات شيوخ وأعيان المدينة، وهو من أقدم المساجد في الولاية، مما منحه الاسم “الجامع العتيق”، وهو اللقب الذي يُطلق تقليديا على المساجد القديمة.
تمّ تشييد المسجد على مساحة 1714 متر مربع باستخدام مواد أولية محلية طبيعية، مما يعكس الانسجام بين الطبيعة وفن العمارة. تأثّرت طريقة البناء بالمهندس المعماري الإيطالي، حيث تمّ الاعتماد على الأعمدة كأساسات قوية مع تزيين الأقواس بأشكال هندسية بديعة أضفت جمالا ورقيا على التصميم. يشهد هذا الفن على التلاقح الثقافي والمعماري الذي ميّز تلك الحقبة.
جاء بناء المسجد بمبادرة من أهالي المنطقة الذين ساهموا ماديا وتبرّعوا بالأرضية، منذ تأسيسه، لعب المسجد دورا بارزا في نشر تعاليم الدين الإسلامي وتعزيز الهوية الدينية والثقافية للمدينة. كما ساهم في المحافظة على التراث الإسلامي لولاية سعيدة، حيث أصبح منارة تجمع بين العبادة والتعليم.
يحتوي المسجد على قاعة للصلاة ومدرسة قرآنية، حيث لا تزال تمارس الطريقة التقليدية في تحفيظ القرآن الكريم باستخدام الألواح والقراءة الجماعية. هذه المدرسة ساهمت عبر الأجيال في تخرج حفظة للقرآن وطلبة علم، ممّا عزّز مكانة المسجد كمركز إشعاع ديني وثقافي.
ويعد مسجد العتيق مركزا رئيسيا يحتضن الشعائر الدينية والمناسبات الإسلامية، مثل صلاة الجمعة وشهر رمضان الكريم. بالنظر إلى موقعه الاستراتيجي في وسط المدينة، فهو يستقبل أعدادا متزايدة من المصلين. لذلك، شهد المسجد بعض أعمال الترميم، بما في ذلك توسعة بيت الوضوء وتهيئة ساحته لاستيعاب المصلين بشكل أفضل.
ويصنّف المسجد كموقع جذب سياحي يعكس التراث الديني والمعماري للمدينة، مما يعزز من مكانة سعيدة كوجهة تاريخية، بالإضافة الى إبراز الدور الاجتماعي الذي يلعبه في تعزيز التضامن بين أفراد المجتمع من خلال الفعاليات الدينية والتربوية، ويبقى مسجد العتيق شاهدا حيّا على أصالة مدينة سعيدة، ومنارة تجمع بين التراث العريق والرسالة الدينية السامية.