شهدت النسخة 27 من صالون الجزائر الدولي للكتاب تكريم وزيرة الثقافة والفنون عددا من الأسماء الأدبية والثقافية، كان من بينهم الشهيد مولود فرعون. وقد بقي نجم هذا الأديب لامعا في سماء المشهد الثقافي الوطني، بل والعالمي، فقد كُتب له الخلود، بدليل المؤتمرات والندوات والتظاهرات التي تذكّرنا برواياته التي تترجم روح الشعب الجزائري التوّاق إلى الحرية والكرامة، تؤكّد مؤلّفة كتاب “مولود فرعون، الخالد فورولو منراد”.
خلال إشرافها على افتتاح البرنامج الثقافي لصالون الجزائر الدولي للكتاب “سيلا 2024”، التي تحيي سبعينية الثورة التحريرية، قامت وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي، من باب العرفان، بتكريم عدد من الكُتَّاب والأدباء، كان من بينهم الشهيد مولود فرعون، الذي قامت الوزيرة، رفقة رئيس المجلس الأعلى للشباب، بتكريم عائلته بحضور ابنه.
ولم يتردّد ذكر اسم مولود فرعون في هذا التكريم فحسب، بل هو حاضر من خلال العناوين المشاركة في الصالون، سواء الروائع التي تحمل توقيعه، أو من خلال الأعمال التي تسلّط الضوء على نصوصه الأدبية ومنهجه في الكتابة، والتي نذكر من بينها كتاب “مولود فرعون، الخالد فورولو منراد” للأكاديمية رشيدة سعدوني.
تقول سعدوني في مقدّمة كتابها، الصادر عن “دار الهدى”: “هناك مولود فرعون الرجل البسيط الخجول المتواضع، وهناك فورولو الخالد”.
وتفيد أستاذة الترجمة بأنّ الهدف من كتابها هو إثراء حياة وأعمال الكاتب الجزائري مولود فرعون، وقد اعتمدت كتابة هذا العمل على شهادات وأبحاث ودراسات وتحليلات ومقالات سبق أن نشرت في كتب أو صحف ورقية أو موزّعة على مواقع الإنترنت. وتضيف سعدوني بأنّه، عند قراءة أعمال مولود فرعون (التي تتضمّن أربع روايات وقصّة ومذكّرات وشهادة بعد وفاته)، مثل رواية “ابن الفقير”، وهي رواية سير ذاتية، لا يستطيع البعض إلا أن يقارنوا أنفسهم بهذا الكاتب الذي عانى، في سنّ مبكّرة للغاية، من الفقر بمعناه الأوسع. “ربّما لأنّه لكي تنجح عليك أن تقوم بالكثير من التضحيات. وذلك لأنّ الأمر أيضًا لا يتعلّق بـ«انتظار اللحظة المثالية، بل يتعلّق باغتنام اللحظة وجعلها مثالية”، تقول الكاتبة.
وتؤكّد الباحثة أنّها حاولت، من خلال هذا العمل، جمع كامل أعمال مولود فرعون وتسجيل القراءات والدراسات والمؤتمرات والاقتباسات التي تمّت عليه، وكذلك الأفلام الوثائقية المخصّصة له، في الجزائر وخارجها. بالإضافة إلى ذلك، فقد قامت بجمع شهادات من عائلة مولود فرعون وأصدقائه وزملائه. ولاحظت الكاتبة أنّ الصفات المتكرّرة في جميع هذه الشهادات هي: الخير واللطف. “والحقيقة أنّ كلّ من عرف فرعون يؤكّد أنّه كان إنساناً طيباً وبسيطاً، وفي بعض الأحيان، خجولا”. ويواصل المعاصرون الذين أتيحت لهم فرصة التعرّف على مولود فرعون من خلال عمله، يواصلون الثناء عليه في كلّ مناسبة.
قام مؤلّف “ابن الفقير” بترجمة روح أبناء منطقة القبائل الذين عايشوا الاستعمار الفرنسي وثورة التحرير. وينقل الكتاب تصريحا لمولود فرعون في مقابلة صحفية سنة 1953: “أنا أستمتع حقًا بالكتب الإنسانية، تلك التي حاول الكاتب فيها تفسير الإنسان بكلّ ما فيه. لأنّ الإنسان ليس جيّدًا صراحةً ولا سيّئًا صراحةً. كما ترون، ليس للكاتب الحق في التحدّث باستخفاف عن الناس”.وتعتبر الكاتبة، من خلال تحليلها أعمال مولود فرعون، أنّ القارئ سيكتشف موهبة هذا الأديب الذي كرّس نفسه لوصف الحياة القاسية التي عاشها الجزائريون من أبناء جبال القبائل خلال الاستعمار الفرنسي.وفي هذا الصدد، تورد الكاتبة قول محمد ساري، خلال ملتقى دولي عن مولود فرعون (مارس 2012): “مولود فرعون ليس كاتبا من منطقة واحدة من البلاد، وعمله ليس ذا بعد وطني فحسب، بل هو أيضا عالمي في طبيعته”. إذن، لا تنقص الشهادات والإشادات بأعمال فرعون الذي تجاوزت التراب الوطني لتدرج في القائمة العالمية للأدب.وهكذا، تقول سعدوني، كُتب لمولود فرعون الخلود برحيله، والدليل تلك المؤتمرات والندوات والتظاهرات التي تعود في كلّ مرة لتؤكّد أنّ “فورولو” موجود دائمًا في قلوب الجميع، وأنّ رواياته ومقالاته تترجم تمامًا روح الشعب الجزائري الذي يطمح، منذ فجر التاريخ، إلى الحرية والشرف والكرامة.
تجدر الإشارة إلى أنّ مؤلّفة الكتاب، الدكتورة رشيدة سعدوني، أستاذة محاضرة بجامعة البليدة 2، تقوم بتدريس الترجمة الفرنسية-العربية والعربية-الفرنسية، كما قامت سابقًا بتدريس الترجمة العربية-الإنجليزية والإنجليزية-العربية في معهد الترجمة بجامعة الجزائر 2. ولها إصدارات عديدة، من بينها كتاب “قصة حياتي” (ببليومانيا، القاهرة، 2021)، وهي أول ترجمة عربية لسيرة فاطمة آيث منصور عمروش، إلى جانب مقالات وأعمال أكاديمية.