تــكــريــس لــلــعــلاقــات الــثــّنــائــيــة المــتــمــيــّزة عــلــى عــديــد المــســتــويــات
تنزل دولة قطر ضيف شرف على النسخة السابعة والعشرين من صالون الجزائر الدولي للكتاب. ويأتي هذا الاختيار “تقديرًا لدور قطر الرائد في المشهد الفكري والثقافي”، وبحكم “مواقفها الحكيمة وإنجازاتها الكبيرة في الدبلوماسية الثقافية المنتهجة”، وفقا لمحافظ التظاهرة. كما يتناغم هذا الاختيار مع امتياز العلاقات الجزائرية القطرية، سياسيا واقتصاديا، امتياز يكرسه الإسهام الاستثماري القطري في الجزائر، وإسهامات الكفاءات الجزائرية في قطر.
اختيرت دولة قطر لتكون ضيف شرف نسخة متميزة من صالون الجزائر الدولي للكتاب، باعتبارها النسخة التي تصادف إحياء الجزائر الذكري السبعين لاندلاع ثورتها التحريرية المجيدة.
احتفاء خاص
وكانت وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي قد أجرت، صبيحة يوم افتتاح التظاهرة، محادثات ثنائية مع نظيرها وزير الثقافة القطري الشيخ عبد الرحمن بن حمد آل ثاني، بحضور سعادة سفير قطر بالجزائر عبد العزيز علي النعمة ووفدي البلدين. وتمحورت المحادثات حول “التعاون الجزائري القطري في مجال الثقافة والفنون، والمشاريع المستقبلية وسبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين في مختلف الفنون”.
وفي كلمتها بمناسبة افتتاح البرنامج الثقافي لـ “سيلا 2024”، توجّهت وزيرة الثقافة والفنون بكلمات شكر وتقدير لكل ضيوف الجزائر، من كتّاب وأدباء ومبدعين وناشرين وعارضين، مشيدة على وجه الخصوص بالبرنامج الفكري والثقافي القيم الخاص بدولة قطر. كما قامت الوزيرة رفقة سفير دولة قطر بتكريم عدد من الكُتَّاب والأدباء كوقفة عرفان لإسهاماتهم في إثراء الثقافة، على غرار الأديب والكاتب القطري صالح لغريب لعبيدي، والمؤرخ الراحل محمد العربي الزبيري، والمؤرخ المجاهد عمار بلخوجة، والشهيد مولود فرعون، وأسماء أدبية أخرى.
روابط متينة
وأكّدت محافَظة التظاهرة أنّ اختيار قطر يأتي “في إطار تعزيز العلاقات الثقافية وتأكيد دور الكتاب في نشر الوعي وإحداث التقارب”، حيث ستشهد الفعالية برنامجًا ثقافيًا غنيًا “يعكس إبداع القطريين في الأدب والفكر والترجمة، بالتعاون مع إخوتهم الجزائريين، لتعميق الروابط التاريخية والثقافية بين البلدين الشقيقين”.
كما يأتي الاختيار تجسيدا لما تمتاز به العلاقات الجزائرية القطرية “من عمق واحترام متبادل يمتدّ لعقود”، يؤكّد منظمو التظاهرة. ومن بين تجليات هذه العلاقات المتميزة، الدعم القطري للثورة الجزائرية (التي نحتفل بذكراها السبعين) ماديا ومعنويا، من خلال حملات التبرع بالأموال وتوفير الوسائل التنظيمية لوفد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في مفاوضاته مع الجانب الفرنسي في سويسرا من أجل تقرير مصير الجزائر، “وكان الشعب القطري في تلك الفترة مناصرًا لحركة المجاهدين الجزائريين، ففي المدارس صدح الطلاب بالأناشيد الوطنية الجزائرية، وأدانت التجمعات الطلابية الاستعمار الفرنسي”، تذكّر المحافظة.
وليست الثقافة سوى وجه من أوجه هذا التعاون المتعددة شكلا ومضمونا، والتي بلغت في كثير من الأحيان مستويات رفيعة، حيث شهدت العلاقات بين البلدين تطوّرًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، خاصة بعد زيارة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون إلى قطر في نوفمبر 2022، بالتزامن وفعاليات كأس العالم 2022 التي احضنتها قطر بنجاح حقق الإجماع، هذه الزيارة، بالإضافة إلى زيارات أخرى متبادلة بين قيادتي البلدين، عكست الرؤية المشتركة حول عديد القضايا، والتوق نحو تعاون أكبر في شتى المجالات. أما في المجال الاقتصادي، فقد تجسّدت الشراكة المتينة بين البلدين في مشاريع قطرية كبرى على أرض الجزائر، على غرار مشروع استصلاح الأراضي في الجنوب الجزائري، ومشروع المستشفى المشترك جزائري - قطري - ألماني.
وتضيف محافظة “سيلا” بأنّ هذه العلاقات لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمتد إلى الثقافة والبحث العلمي، ويعتبر تواجد عدد كبير من الوجوه الإعلامية والأكاديميين الجزائريين في قطر دليلا آخر على الثقة الكبيرة التي توليها دولة قطر للنخب الجزائرية.
رهان على الثّقافة
وليس سرّا الاهتمام القطري بالدبلوماسية الثقافية، والإمكانيات التي توفرها الثقافة في تعزيز القوة الناعمة لهذه الدولة. وإيمانا منها بدور هذا النوع من الدبلوماسية، تعمل وزارة الثقافة القطرية على تعزيز الحضور الثقافي لدولة قطر على الساحة الإقليمية والدولية، بتنظيم ودعم المبادرات الثقافية والفنية المتنوّعة.
ومن بين الأمثلة عن إنجازاتها البارزة، نذكر “جائزة الدولة لأدب الطفل”، وهي واحدة من الجوائز السنوية التي تعزّز إبداع الأطفال وتشجيعهم على الانخراط في الأدب وهي جائزة دولية. و«جائزة الدولة التقديرية”، وهي تكريم سنوي يقدم لشخصيات قطرية بارزة تركت بصمة في مجالات الثقافة والفنون. و«معرض الدوحة الدولي للكتاب”، باعتباره منصة ثقافية كبرى تستضيف سنوياً العديد من دور النشر والمؤلّفين من مختلف أنحاء العالم، كما يعدّ من أهم المعارض الأدبية في المنطقة. كما نذكر تبادل الأسابيع الثقافية مع الدول الشقيقة والصديقة، من أجل تمتين جسور التواصل بين المبدعين وتعزيز العلاقات الثقافية.
اهتمام إعلامي قطري
وقد أبدت وسائل الإعلام القطرية اهتماما بهذه النسخة من صالون الجزائر للكتاب. ووصفت وكالة الأنباء القطرية (قنا) المشاركة القطرية في هذا الحدث الثقافي بـ “المميّزة”. ونشرت الوكالة تصريحا خصّها به محمد إقرب محافظ التظاهرة (نقلته عنها أيضا صحيفة “الراية”)، أكّد فيه أنّ اختيار دولة قطر ضيف شرف الدورة “جاء تنفيذًا لاستراتيجية قطاع الثقافة والفنون، وعلى رأسه الدكتورة صورية مولوجي وزيرة الثقافة والفنون الجزائرية، تقديرًا لدور قطر الرائد في المشهد الفكري والثقافي وإنجازاتها في هذا المجال، وبحكم مواقفها الحكيمة وإنجازاتها الكبيرة في الدبلوماسية الثقافية المنتهجة، وهو ما يعكس ما قدمته قطر للثقافة العربية من برامج ومشاريع ومؤسسات راعية للإبداع والفن والعلوم، وتشجيع المواهب والدفع بالثقافة العربية الهادفة إلى الواجهة”.
وركّزت “الشرق” على اجتماع وزيري ثقافة البلدين، أما صحيفة “العرب” فسلّطت الضوء على مشاركة وزارة الثقافة القطرية بعرض الإنتاج الفكري القطري، والترويج للمكتبة الإلكترونية الخاصة بوزارة الثقافة، إضافة إلى تعزيز التواصل الثقافي والفكري.
وتتضمّن المشاركة القطرية، تضيف “العرب”، مجموعة من الفعاليات المتنوعة، وإقامة برامج وورش ثقافية مختلفة، وجناح خاص للأطفال، إلى جانب مشاركة الفرقة الشعبية، وكذلك مشاركة الحرفيين وشخصيات تجسد العلماء المسلمين، وعرض صور فوتوغرافية ولوحات تشكيلية. ونقلت الصّحيفة عن جاسم أحمد البوعينين، مدير إدارة المكتبات بوزارة الثقافة القطرية، قوله إنّ هذه المشاركة تأتي “بهدف إبراز جوانب من الأدب والثقافة القطرية، حيث تتضمّن المشاركة عرض إصدارات الوزارة المتنوعة والجديدة في مختلف مجالات المعرفة، مثل الروايات والقانون والعلوم الاجتماعية والإنسانية، بالإضافة إلى الإصدارات المتميزة من كتب الأطفال والناشئة”.