اختتم، أمس برواق عائشة حداد، معرض الفنان التشكيلي نور الدين قيشو “وشائج الطبيعة والتراث”، الذي جسّد من خلاله الترابط والتداخل العميق بين الطبيعة والتراث.
ركّز الفنان في لوحاته على العلاقة بين التراث والطبيعة كعنصرين في تشكيل الهوية، محاولا التأكيد على أنّهما غير قابلان للانفصال لأنّ كلاهما شاهد على وجود الإنسان عبر الزمن، وهذا ما تحيل إليه عبارة “التواشج” الذي وسم بها عنوان المعرض، حيث أكّد الفنان في منشور عرضه بالرواق، على أنّ العنوان يوحي بأنّ الهوية الإنسانية لا تنبثق من الطبيعة أو التراث وحده، بل من التفاعل العميق بينهما، وكيف تأثّرت المجتمعات البشرية بالبيئة الطبيعية وكيف تركت تلك المجتمعات أثرها على تلك البيئة عبر التراث والعمران والفنون، كما أنّ الطبيعة ـ حسبه ـ ليست مجرّد عنصر ثابت بل هي عنصر حيّ ومتغيّر، كذلك الحال بالنسبة للتراث الذي يحمل منظورا متجدّدا.
وجاء في منشور نور الدين قيشو أيضا “في ظلّ التحدّيات البيئية المعاصرة، يمكن أن يفهم هذا العنوان أيضا على أنّه دعوة للحفاظ على التراث والطبيعة معا، حيث أنّ كليهما جزء من استدامة الحياة، والحفاظ على الطبيعة مسألة تراثية أيضا، فالعادات القديمة والطرق التقليدية في العيش كانت تحترم الطبيعة وتعمل في انسجام معها”.
يشكّل الأسلوب الواقعي أحد أهمّ المكوّنات الفنية في أعمال الفنان التشكيلي قيشو، وكما هو معروف فإنّ الواقعية كأسلوب تشكيلي يفرض على الفنان تصوير معطيات محدّدة ضمن صياغة مضبوطة، يحدّدها الشيء المستهدف بالرسم والمحاكاة، ما يجعل لوحاته قريبة من الجمهور الذي يحبّذ المعتاد المألوف وينفر من غيره، فالأسلوب الواقعي في مختلف الأنواع الفنية يحيل إلى مدرسة الشعب، حيث الصياغة الدقيقة من قلب الواقع، والفنان نور الدين قيشو يبني فضاءه بالاعتماد على مناظر الطبيعة في أبهى صورة، من خلال صور البيوت القديمة المتراصّة بالأسقف القرمدية، ومآذن المساجد العالية، وشلال وادي البارد والقرية المجاورة له، وغيرها من اللوحات الجميلة التي تعكس البيئة الجزائرية التي تؤكّد على عراقة الجزائر وجمالها.
كما استعمل الفنان تقنية الرسم الزيتي، ليجسّد جبال البابور وتراكم الثلوج بأعالي بني ورتيلان، وما يلاحظ في هذه اللوحات غياب الإنسان، ربّما لأنّه عدوّ للطبيعة خاصّة في الزمن الحاضر. ويتعزّز حضور الطبيعة والعمران أيضا في باقي اللوحات مثل تساقط الثلوج على القرى الشاهقة، وكذا لوحات الخريف، حيث تتناثر الأوراق على طول المسالك، ليطلّ بعدها الربيع بألوانه وأنواره الجميلة التي تسرّ الناظرين، ناهيك عن الألوان من كلّ الدرجات منها ألوان السماء الزرقاء وألوان الجبال التي ترمز للصمود والشموخ وغيرها..
وخصّص الفنان ركنا للوحاته التجريدية، التي غلبت عليها الألوان الساخنة والباهتة التي ترمز حسب الفنان إلى الجو الحالم الذي يعلن دوما عن ميلاد يوم جديد، كما اختلطت فيها الأشكال الهندسية، التي أبرز فيها نوعا من الغموض، وبجانبها كان هناك لوحات شبه تجريدية، كلوحة المسجد العتيق بسطيف العالي.
نور الدين قيشو من مواليد 1974 بعموشة بسطيف، فنان تشكيلي عصامي ورئيس جمعية “ألوان للفن والتراث” بعموشة وعضو جمعية “الرشد” الثقافية، تخصّص في الديكور، وظفر بعدّة جوائز من بينها الجائزة الأولى في الفنون التشكيلية، تقنية قلم الرصاص في الطبعة الثالثة للمسابقة الولائية للنشاطات الثقافية والعلمية، والجائزة الأولى للآداب والفنون بسطيف سنة 2011، والجائزة الأولى وطنيا لأحسن رمز للذكرى الخمسين لعيدي الاستقلال والشباب 2013، كما أقام معارضه بتونس وتركيا والأردن وسلطنة عمان.