احتضنت المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية المدية بمناسبة الاحتفال بالذكرى السبعين لاندلاع ثورة أول نوفمبر، ندوة تاريخية بعنوان “الأبعاد الثقافية لثورة التحرير وتجلّياتها في بيان أول نوفمبر”، حضرها ضيوف الجزائر من سبعة عشر دولة المشاركين في المهرجان الثقافي الدولي للخط العربي المنظّم هذه الأيام بولاية المدية.
اعتبر الدكتور محمد بغداد، أنّ المعاني الثقافية التي تضمّنها بيان أول نوفمبر تشكّل الركن الأساسي في الثورة التحريرية المباركة، وأنّ هذه المعاني تحتاج من النخب اليوم بذل الجهد النّوعي لتحويلها إلى محتوى اتصالي تتناسب مع تطلّعات الأجيال الجديدة وتلبّي حاجات مختلف الفئات الاجتماعية، وفق اشتراطات الثورة الاتصالية الحديثة.
وأشار الدكتور محمد بغداد في مداخلته، إلى أنّ المطلوب اليوم ونحن نعيش أجواء سبعينية الثورة التحريرية هو التوجّه نحو السعي إلى كسب رهان الثورة التكنولوجية الاتصالية الحديثة، والعمل على صناعة محتوى يكون قادرا على تحقيق جاذبية الاقتداء، وفي نفس الوقت يملك قدرات مواجهة التحدّيات التي تفرضها عالم التكنولوجيا الاتصالية، موضّحا أنّ المعركة اليوم هي معركة ثقافية أين يتمّ تدمير المخزون الثقافي للشعوب وجعلها تعيش تحت سيطرة النظام الدولي الجديد الذي يحرم المجتمعات من هويّته، فتكون قابلة للاستلاب والوقوع في فخّ الاستعمار والهيمنة الجديدة.
واعتبر المتحدّث، أنّ تحدّى كسب رهان الذاكرة اليوم هو المهمة الكبرى للنخب الثقافية والإعلامية، وهو ما تسعي إليه السلطات العليا في البلاد وعلى رئيسها السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبّون الذي فتح الأبواب من خلال ترسيم اليوم الوطني للذاكرة، ليكون فرصة للنخب لاستعادة مكانة السيادة الرمزية للدولة الجزائرية، وتحصين الأجيال الجديدة وبالذات الشباب من الحملات التكنولوجية التي تستخدم منصّات ووسائط التواصل لتحقيق أهدافها.
من جهته، قدّم الدكتور موسى هيصام، عرضا تاريخيا بأبعاد ثلاثية اجتماعية ثقافية ونضالية كانت مرجعيات للحركة الوطنية، مستفيضا في ذكر وحشية الاستعمار وجرائمه المرتكبة في حقّ هذا الشعب الأعزل، متناولا في الوقت صور من صور المقاومة الثقافية لهذا الشعب بقيادة نخب، أسهمت بتضحياتها في وصل اللحمة وسدّ الفجوة وربط هذا الشعب بهويته وعقيدته وانتمائه من خلال مدارس التعليم العربي، والنوادي الأدبية والفكرية والجرائد والمجلات، وغيرها من وسائل المقاومة الثقافية، التي نجحت في وأد مخطّطات العدو والتي من خلالها نجح هذا الشعب أن يخرج من رحمه جيل ثوري نوفمبري مشبّع بقيم الوطنية والتحرّر، كان له قول الفصل ـ يقول المتحدّث ـ في الخروج بالجزائر من دهاليز الاستعمار إلى شواطئ الحرية والانعتاق..كما قدّم مقارنة بين الاستعمار الفرنسي في الجزائر والاستيطان الصهيوني في فلسطين.
بدوره، أكّد أمين منظمة المجاهدين لولاية المدية المجاهد فؤاد شعواطي، أنّ الثورة التحريرية وهي تعيش عيدها السبعين تبقى نموذجا فريدا للكثير من الشعوب التي تعاني الظلم والاستعمار، وفي مقدّمتهم الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الارهاب الصهيوني الذي يستمدّ همجيّته من الاستعمار الفرنسي، داعيا الشباب إلى الانتباه الى المخطّطات التي تستهدف الذاكرة الوطنية والعمل على مواجهة هذه المخطّطات بالذكاء والوطنية والحرص على حماية الذاكرة الجماعية.
أما عن صدى هذه الندوة التاريخية فقد أبهرت الحضور لاسيما الضيوف الأجانب سفراء الخط العربي، الذين وقفوا من خلال ما قدّم من مادة تاريخية تفاعلية على عظمة الثورة الجزائرية، وقدرتها على التمدّد لتكون ثورة إنسانية وفكرية على كلّ القيود التي تكبّل الحريات وترسم لنفسها نهجا فاضلا، ليكون فضاء جامعا لكلّ من ينشد الحرية.