صدر مؤخرا عن المجمّع الجزائري للّغة العربية مؤلّفان علميان جديدان هما: “معجم الصّواب اللّغوي” للأستاذ الدكتور محمد خان، و«الجملة العربية بين التجريد والتنجيز.. مقاربة وظيفية للأنموذج النحوي الواصف” للدكتور صلاح الدين ملاوي.
يتناول “مُعجَـم الصّـوَاب اللّغَـويّ” للدكتور محمد خان، قضية الفصيح في اللّغة العربية، ومسألة الصحيح فيها، ويدعو إلى تصويب بعض التراكيب والعبارات، التي شاعت أخطاؤها في الأوساط الثقافية، ودرجت على أقلام الطلبة والكتّاب والباحثين، ورسّخت بالممارسة والتكرار، فكأنّها أخذت الصبغة الرسمية من الطباعة، وظنّ الناس أَنّها من سُنن التّطوّر.
رتّب المؤلّف مادة المعجم (الكلمة الأصل) ترتيباً ألفبائيّاً، وشرحها شرحاً معجميّاً واصطلاحيّاً، ثم أردفها بالعبارة الخطأ التي يَدعو إلى اجتنابها. ويستشهد في ذلك بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وبالفصيح من الشعر والنثر العربيين.
ولقد راعى المؤلف في هذا العمل ماجدّ في اللّغة من تراكيبَ وأساليبَ ومصطلحاتٍ فَرضتها الحياةُ المعاصرةُ، ويَرجِع في إقرار هذا الجديد إلى قراراتِ المجامع اللّغوية العربية، وإلى منهج اللّغة العربية في تنمية الألفاظ.
كما دعا المؤلّف إلى وجوب التفريق بين اللّغة العربية الفصحى، وبين ما ينشأ حولها من تعابير، أو ما يتجدّد منها في إطار تطوّر اللّغة حسب مقتضيات الحياة، وما يَنحرفُ عن الصواب بسبب الجهل بسُنن اللّغات، أو اللامبالاة أو الترجمة الحرفية، ومعيارُ الصّواب أنّ ما جاء على كلام العرب فهو من كلام العرب.
من جهة أخرى، تسعى دراسة الدكتور صلاح الدين ملاوي “الجملة العربية بين التجريد والتنجيز مقاربة وظيفية للأنموذج النحوي الواصف”، إلى تقليب النظر في الوحدة اللّسانية المحورية في النظرية النحوية العربية، ألا وهي الجملة، وقد انكبّت الدراسة على البنية الدلالية، سواء كانت بنية دلالية ساكنة منحدرة إلى التجريد، أم بنية دلالية متغيّرة متجهة صوب المنجز اللفظي.
وقد جاء في تقديم الكاتب: “اختطّ النحاة منهجا عنوا فيه بدراسة الجملة بوصفها بنية مجردة قارة نمطا تركيبيا، مستهدفين الوصول إلى ثوابت النظام من خلال متغيّراته، وعهدوا بمهمة استقصاء هذه البنية على مدرج التخاطب إلى علماء المعاني، الذين شغلوا برصد كيفية تبعية الخصائص البنيوية النحوية للمقامات التخاطبية، فتعالوا على تحليل هذه البنى الإسنادية ودراستها من حيث هي أحداث وأنشطة كلامية.”
وأضاف: “وهذه الدراسة التي نضعها بين يدي القارئ العربي سعت إلى إرسال النظر وتقليبه في هذه الوحدة اللسانية المحورية في النظرية النحوية العربية، وبيان ما خالطها من مدخول الأقوال، ولاسيّما أنّ بعض الدارسين باتوا لا يتداولونها كما تداولها الأوائل ويختطون لها طريقا غير طريقهم وحري بالبيان”.
كما حاول الكاتب في دراسته اقتراح معالم كبرى لمنهج دراسي قادر على تفتيق طاقات الجملة الدلالية الإحتمالية والإنجازية معا في آن واحد، زيادة على ما انتهت إليه في النماذج النحوية العربية الواصفة.
ويستفرغ المؤلّف في هذا العمل العميق والمضني في الوقت نفسه، جهده في سبيل تقويم التراث النحوي العربي من خلال معالجة لسانية جديدة للجملة العربية.
للإشارة، الدكتور صلاح الدين ملاوي أستاذ التعليم العالي بجامعة بسكرة، وعضو دائم في المجمع الجزائري للّغة العربية، وعضو مؤسّس لمخابر وفرق بحث، ومحكم في مجلات وطنية ودولية، وخبير في هيئات علمية جزائرية وعربية، أنجز بحوثاً علمية محكمة متخصّصة في علم النحو وأصوله وفي اللسانيات الوظيفية، وأشرف على كثير من الأطاريح والرسائل الجامعية، وشارك في إعداد مشاريع التكوين في مرحلة (ما بعد التدرج وتأطيرها).
أما البروفيسور محمد خان، فهو باحث في علوم اللسان العربي، وعميد سابق لكلية الآداب بجامعة محمد خيضر بسكرة، ومدير مخبر اللسانيات واللّغة العربية، وعضو بالمجلس الأعلى للّغة العربية والمجمع الجزائري للّغة العربية.
صدر له من الكتب: “القراءات القرآنية واللهجات العربية، دار الفجر، القاهرة، سنة 2002، الدارجة وصلتها بالفصحى، دراسة لسانية للغة الزيبان بسكرة الجزائر سنة 2005، منهجية البحث العلمي، دار علي بن زيد بسكرة، الجزائر، سنة 2011، أصول النحو العربي، مطبعة جامعة بسكرة، الجزائر سنة 2012، معجم الإعراب المبين، دار علي بن زيد بسكرة الجزائر سنة 2013، معجم الصواب اللغوي، مطبعة جامعة بسكرة، الجزائر، سنة 2014 ومفتاح التصريف، دار علي بن زيد بسكرة الجزائر سنة 2024.
حفظ محمد خان القرآن الكريم، وانتظم في المدرسة الابتدائية لمدّة سنة واحدة، ثم انتسب إلى التعليم الخاص، ومارس مهنة التعليم إلى أن حصل على البكالوريا سنة 1976. تخرج مجازا في الأدب العربي من جامعة عنابة سنة 1980 وتحصل على شهادة الماجستير في اللسانيات التطبيقية من جامعة عنابة، سنة 1986.