أحيت بلدية خناق مايون في سكيكدة، الذكرى الخامسة والستين لقصف مستشفى جيش التحرير من طرف المستعمر الفرنسي، بمنطقة العارطة بخناق مايون، للولاية الثانية التاريخية، واستشهاد البطلة زيزة مسيكة المصادف ليوم 29 أوت من كل سنة، رفقة شهيدات أخريات.
استهلّت الفعالية التاريخية التي نظّمتها مديرية المجاهدين وذوي الحقوق بسكيكدة، بالتنسيق مع المتحف الجهوي للمجاهد علي كافي، وبلدية “خناق مايون” وجمعية جسور لحفظ الذاكرة، بزيارة النصب التذكاري لمقر مستشفى “العارطة” للولاية الثانية التاريخية، وزيارة معرض تاريخي مقام بالمناسبة بمدرسة مسعود مجرداوي، تضمن تفاصيل عن نشاط وجهاد البطلة الشهيدة زيزة مسيكة وظروف استشهادها، إلى جانب التنظيم الصحي في الولاية التاريخية الثانية والمراكز الصحية الموجودة في المنطقة آنذاك، إضافة الى قراءة شعرية وتكريم مجموعة من المجاهدين.
وعرفت المناسبة مشاركة وفد من ولاية باتنة، مسقط رأس الشهيدة، ضم الأستاذ محمد لعبيدي مفتش مادة التاريخ وعضو المجلس العلمي لمتحف المجاهد لولاية باتنة، الجمعي مجناح ناشط في المجال التاريخي، محجوب كمال رئيس جمعية التواصل من أجل الأصالة والمعاصرة بولاية باتنة، وبوزغاية عبد الرحمان مفتش في قطاع التربية متقاعد عضو المكتب الولائي لجمعية التواصل من أجل الأصالة والمعاصرة بولاية باتنة.
ونشّط الدكتور قويسم محمد من جامعة 20 أوت سكيكدة ندوة تاريخية بالمناسبة، بمشاركة مجموعة من المجاهدين استهلّها بتقديم نبذة عن حياة الشهيدة ونسبها العائلي ومسارها الدراسي، الذي أهّلها أن تكون طبيبة وممرضة ومجاهدة في جيش التحرير الوطني وجوانب من كفاحها المسلح، الذي انتهى باستشهادها في ذلك القصف.
وقدّم المجاهدون ممّن عايشوا الشهيدة، من أمثال المجاهد صالح بن عيش المدعو عمار، خرّيج مدرسة شبه الطبي التي كانت تشرف عليه الشهيدة ورئيس “جمعية الذاكرة التاريخية للولاية الثانية فرع عنابة، حيث قدم بعض الشهادات المهمة حول الشهيدة، وركّز المجاهد محمد الرايس عضو حيش التحرير الوطني ورئيس جمعية الذاكرة التاريخية للولاية الثانية”، في كلمته على العلاقات بين القيادة والشهيدة، وحث كثيرا على الاهتمام بمثل هذه الأحداث التاريخية المحلية.
كما تكلّم المجاهد السعيد بوالكره عن النظام الصحي في المنطقة ودور الطبيبين لمين خان المدعو عبد الرحمن ومحمد التومي في هذا المجال، واختتمت الندوة، بكلمة من المجاهدة رمضانة بوعيشة قدمت فيها المجهودات التي بذلها الممرضون والأطباء في التمريض والمداواة في تلك المرحلة الحاسمة من تاريخ الجزائر، حيث ركّزت على الشهيدة زيزة مسيكة.
ووفق روايات متطابقة، سقطت الشهيدة زيزة مسيكة في ميدان الشرف يوم 29 أوت 1959، وعمرها لا يتعدى 25 سنة، حينما أغارت طائرة الاستعمار الفرنسي على أعالي منطقة القل بالولاية التاريخية الثانية، وكانت الشّهيدة آنذاك مسؤولة إدارة شؤون مستشفى جيش التحرير بالعارطة، وحسب شهادة أختها السيدة وناسة فإنّ الشهيدة كانت تعالج المصابين مع ممرضة أخرى كانت معها، وذات مرة قامت بعض المجاهدات بإعداد طبق “الغرايف”، فلاحظ العدو دخان الطهي المتصاعد إثر إخماد نار الموقد بعد الطهي، فحدثت عملية الهجوم.
وعرفت الشّهيدة زيزة مسيكة (اسمها الحقيقي سكينة زيزة) بأعمالها البطولية خلال ثورة التحرير، ولدت في 28 جانفي 1934 بمروانة بولاية باتنة، وتابعت دراساتها الابتدائية في مسقط رأسها ثم انتقلت إلى سطيف لمزاولة التعليم المتوسط، لتعود مرة أخرى إلى باتنة لمواصلة دراستها الثانوية، حيث تحصّلت على شهادة البكالوريا في 1953.
واتّجهت الشّهيدة نحو جامعة مونبلييه بفرنسا لمتابعة الدراسات العليا رفقة أخيها إلى غاية 1955 لتعود إلى باتنة، وقبل وقت قصير من الإضراب الطلابي في عام 1956، غادرت باتنة إلى سطيف مع زميلتيها مريم بوعتورة وليلى بوشاوي، وانضمّت إلى صفوف المجاهدين كممرضة برتبة عريف في منطقة القل بواد عطية تحت أوامر عمار بعزيز في المنطقة الثالثة، وعملت مع عزوز حمروش وعبد القادر بوشريط، اللذين كانا مسؤولين عن الصحة بالمنطقتين الأولى والثانية، تحت أوامر لمين خان من 1956 إلى 1958، والدكتور محمد تومي بين 1958 و1962 على التوالي.