تمتلك دشرة تكوت القديمة الواقعة على بعد حوالي 90 كلم جنوب شرق مدينة باتنة من الخصائص والمقوّمات ما يجعلها وجهة سياحية بامتياز، ومعلما جديرا بالاكتشاف من طرف السياح الوطنيين والأجانب.
يجمع المكان بين سحر الطبيعة وجمال العمارة المحلية والتاريخ العريق، بحسب المثقف والمهتم بتاريخ المنطقة الدكتور فريد عبد السلام، الذي أكد أن الدشرة في حاجة إلى المزيد من الترويج رغم أن تكوت سحرت رحالة وباحثين غربيين، وتفنّنوا في وصف جوّها الذي يمتزج فيه نسيم الجبال بدفء الصحراء وقلاعها، ذات الطوابق المتينة كما ورد في كتابات بعضهم.
وذكر دشرة تكوت ‘’ارنست فال’’ وهو ( فرنسي 1855 /1929) في كتابه بعنوان (ما وراء البحر الأبيض المتوسط)، كما أوردها البريطاني مالفيل وليام هيلتون سيمبسون (1881/1939) في مجال تقسيم مياه السقي من حوضها المائي العتيق (الماجن) الذي يعود إلى الحقبة الرومانية في دراسة نشرها في مجلة أكسفورد في 1924 ثم كلود موريس روبار(فرنسي 1895/1963) الذي أدرجها سنة 1927 في كتابه (عبر وديان الأوراس).
ومن أبرز معالم الدشرة مسجدها العتيق المبني في أواخر القرن الـ16 وينسب إلى مشيّده سيدي عبد السلام بن أحمد المعلى، يقول المتحدّث وهو أحد أحفاد الشيخ الذي استقر بتكوت وأعاد اعمارها وإصلاح أراضيها وبساتينها، ليجعل منها وبعده أبناءه وأحفاده مقصدا لسكان الجهة والمناطق المجاورة لها.
وأنجز المسجد وهو وفق المصدر، نموذجا للمساجد العتيقة بالأوراس بهندسته وزخارفه، بمقربة من منبع مائي يصّب في الماجن واستغله السكان عبر مختلف الحقب التاريخية لسقي أراضيهم وبساتينهم، مشكلا نواة الدشرة التي توسعت لتتحوّل إلى تكوت الحالية، حيث يمكن للمطّل من منارة هذا المعلم الديني أن يرى ما يحيط بها من البساتين المدرجة (في شكل سلالم) ومجرى الوادي المعروف بوادي ألما، وأيضا ما تبقّى من القلاع (ثيقليعث) والمخازن الجماعية.
ويعتبر سكان تكوت الزيتونة البيضاء أو (هازمورث هاملالت) نسبة إلى زيتها المائل للبياض بجذورها العملاقة، وحجمها المميّز الذي يدل على أنها شجرة معمِّرة، أحد معالم الدشرة القديمة، فهي دون شك بحسبهم تعود إلى قرون وما زالت إلى حد الآن تنتج أجود أنواع الزيتون.
عيد الخريف وشايب عاشوراء أبرز تظاهرتين لدشرة تكوت
وتعتبر تظاهرة سوق عيد الخريف السنوية أو ما يعرف محليا بـ(هامغران تمنزوث) ذات بعد جهوي لتكوت بدشرتها القديمة عبر كل منطقة الأوراس، وزادت من تميزها منذ فترة طويلة تعود إلى قرون خلت ويعرض في السوق مختلف السلع والمنتجات الفلاحية والحرفية.
وتتحوّل الدشرة الصغيرة في هذه المناسبة التي دأب السكان المحليون تنظيمها في أواخر أوت إلى مكان يلتقي فيه أعيان ومشايخ الجهة، خاصّة لحلّ المشاكل العالقة وفضّ النزاعات وديّا وأمور أخرى.
وتعدّ هذه التظاهرة، بحسب الباحث والمختص في التاريخ القديم بجامعة باتنة 1 الدكتور جمال مسرحي، حدثا اقتصاديا ومظهرا أنتربولوجيا شكّل وما يزال إلى حد الآن، عامل تواصل بين سكان تكوت والمناطق المجاورة لها.
ويرى الكثير من المثقفين والنشطين في جمعيات وخاصّة الشباب الذين أعطوا نفسا جديدا للتظاهرة أن التمسك بهذا التقليد العريق ليس فقط إحياء لعادات الأجداد وإنما وسيلة للتعريف بالمعالم التاريخية والسياحية والعمارة المحلية وكذا الموروث الثقافي والحضاري الذي تزخر به المنطقة.
واعتبر هؤلاء الناشطون ومنهم هشام برحايل احتفالية شايب عاشوراء العرض الفرجوي الذي يجسّد طقوس ما قبل المسرح، التي عرفها سكان البلدة ومارسوها بعفوية منذ سنين طويلة ميزة أخرى للمنطقة.
ويتمسّك السكان بهذا الاحتفال الشعبي الضخم، استنادا للمتحدّث، وينظم سنويا تزامنا والعاشر من محرّم أو عاشوراء، حيث تتحوّل شوارع وأزقّة المدينة وساحاتها ليلا على مشاهد تنكرية تجمع بين الرقص والغناء والموسيقى والإيحاءات الجسدية.
ولكون دشرة تكوت القديمة وما يكتنزه سكانها من عادات وتقاليد متنوّعة وحرف وتراث مادي ولا مادي، الشيء الذي جعل منها بحسب رئيس مجلسها الشعبي البلدي عبد الحفيظ سلطاني وجهة مميزة بدأت تستقطب الأنظار وتثير الفضول، بعد افتكاك القرية لجائزة أحسن دشرة بالولاية التي نظمت مؤخرا من طرف مديرية السياحة والصناعة التقليدية.
وزاد من أهمية القرية الصغيرة التي شيّدت على ربوة تهيمن على كل السهل المحيط بها وفق الدلائل الأثرية، التي يرجّح بعضها أن المنطقة كانت عامرة منذ فترة النوميديين من ذلك نقيشة حجرية تحتوي على أبجدية لوبية، اكتشفت أثناء أشغال حفر، وأكد وقتها مختصون في الميدان أنها جنائزية ويعود تاريخها إلى الفترة ما بين 4 آلاف و5 آلاف سنة قبل الميلاد، بحسب معطيات أوّلية.
فتكوت الدشرة بأزقتها الضيقة وبساتينها الغنّاء تغري زائرها بالعودة إليها مجددا لاكتشاف المزيد من موروثها الثقافي الذي يُبدع شبابها ومثقفّوها في إبرازه من خلال التظاهرتين السنويتين، سوق عيد الخريف وشايب عاشوراء اللّتان يعلّق عليهما سكان المنطقة أمالا كبيرة لكسب رهان تحويل الجهة إلى وجهة سياحية حقيقية وإنعاشها اقتصاديا.