صدر، مؤخرا عن دار غراب للنشر والتوزيع في القاهرة، المجموعة القصصية الأولى للكاتب الفلسطيني حامد عبد الله حج محمد، وتقع في أكثر من مائة صفحة من القطع المتوسط. وتجسّد لوحة الغلاف التي رسمتها الفنانة الفلسطينية روان غانم صورة رجل ملتحٍ يلبس نظارة كهل، يبدو أنّه غارق في عالم الكتابة، حيث الأوراق والأقلام والآلة الكاتبة.
تكوّن المجموعة من ثماني قصص قصيرة وهي: درج الأسرار، ومشاعر حمار، والرجوع إلى الجنة، والبطل الفلسطيني “ثيسوس”، وموسم الحصاد الكبير، ومن أجلك يا حذاء، واللص البطل، وفراشة الأمل. وترافق كلّ قصة من هذه القصص، لوحة فنية تشكيلية تحيل إلى الموضوع الأساسي للقصة، أو عنوان القصة، وتتخذ تلك القصص من الموضوع الفلسطيني المفتوح على عدّة مضامين حياتية يومية، ينسج من أبجدياتها العالم القصصي في كلّ قصة من هذه القصص، مستخدما الكاتب في السرد ضمير “هو” في سرد جزء من القصص، وفي جزئها الآخر ضمير “أنا”، ولم يكن في كلا الأمرين ساردا عليما، إنما كان يقصّ ما يراه ويعلمه.
تحتفي المجموعة بالإنسان الفلسطيني القروي، كما في قصة درج الأسرار ومشاعر حمار والرجوع إلى الجنة، ويمثل الطفل الفلسطيني في هذه الثلاث قصص ساردا وبطلا. وتتحدث عن عوالم شتى تَحْدُث في الريف الفلسطيني الذي تغلب عليه البساطة والاشتغال في الزراعة وتربية المواشي والانتماء للمكان الموصف بأنّه “الجنة”.
وتحضر المرأة الفلسطينية في قصتين بنموذجين مختلفين، الأول في قصة “موسم الحصاد الأخير” تظهر الأم الفلسطينية المكافحة الأرملة التي تكدّ وتعمل من أجل أن ينال ابنها تعليمه، رحلة من العذاب الشاقّ قبل أن تحقّق الأم حلمها في عودة ابنها طبيبا بعد سبع سنوات من الدراسة في الخارج. وتتمحور قصة “فراشة الأمل” حول امرأة أخرى، تكون بينها وبين السارد علاقة حبّ قصيرة العمر، وتكمن بطولة هذه الفراشة/ المرأة- على الرغم من ملامح الخجل التي تغمرها، أنّها كانت قادرة على إنهاء هذه العلاقة بطريقة قاطعة ونهائية ودون أن تترك مجالا للسارد كي يناقش أو يعبّر عن وجهة نظره.
وتنفرد قصة “البطل الفلسطيني ثيسوس” بالسرد عن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، ودور المقاومين الموحًّدين الشجعان في التصدّي للآلة العسكرية الصهيونية وتكبيدها خسائر كبيرة، ويقارن السارد بين تلك البطولة وبطولة الأساطير اليونانية التي يشاهدها على التلفاز، ليتفوّق الواقع الحيّ في غزّة على كلّ الأساطير والأفلام السينمائية التي تصنع أبطالها في الخيال.
هذه البطولة الفلسطينية في غزّة، يصوّرها الفلسطيني الذي يناضل من أجل الحياة، كما في قصة “من أجلك يا حذاء”، وما تتمتع به من نفس ساخر، فكيف لشخص أن يوظف حذاءه لأغراض كثيرة، كان منها أنّه جعله وسيلة للمقارنة بينه وبين أشياء كثيرة لتمتد المقارنة بين الحذاء وبعض الناس.
وثمّة بطل من نوع آخر، إنّه من تصنعه الصدفة كما في قصة “اللصّ البطل”، رجل ريفي تحوّله الأقدار من لصّ إلى منقذ، وتبين هذه القصة أجواء من الريف الفلسطيني في الخمسينيات والستينيات، حيث كانت تسود قصص الضباع وسيطرتها على العقول قبل الإجهاز على الفريسة، وطريقة الخلاص من هذا المأزق، بشجّ رأس الضحية ليفوق من سيطرته وينجو.
تتميّز هذه المجموعة بإيقاع السرد الهادئ، البسيط، المتقشف في لغته، البعيدة عن البلاغة الزائدة والإنشائية، فكانت واقعية ساعدت في رسم معالم القصة وأجوائها، فجاءت حواراتها بالعامية، لتتناغم معها لغة السرد، هذه اللغة ارتفعت في مستواها في القصة الأخيرة “فراشة الأمل”، حيث يناقش الكاتب موضوعا وجدانيا ذاتيا، حتّم على السارد الحديث بلغة فيها ظلال من الشاعرية التي تجسّد موضوع الحب الفلسفي والعلاقة بين السارد وتلك المرأة، ليعود إلى شيء من واقعية اللغة في نهاية القصة عندما يصحو السارد من سكرة الحب، لكنه لم يستطع التخلص تماماً من اللّغة العالية.
وبالمجمل فإنّ المجموعة القصصية تقدّم ديكورا شخصيا للإنسان الفلسطيني في حالاته كلّها، وتعالج الهموم الفلسطينية الذاتية أولا قبل العامة، ولذلك غلب على هذه المجموعة الهموم الإنسانية البسيطة حتى والسارد يلفت نظر القراء إلى المقاومة الفلسطينية في غزّة، فقد جاءت في سياق شخصي، ليكمل كلّ مشاهد هذا الديكور للإنسان الفلسطيني المزارع، العامل، المناضل، المتعلم، المنقذ.وقد سيطرت على هذه القصص ملامح الشخصية الإيجابية البعيدة عن النهايات المأساوية، فكلّها عدا القصة الأخيرة “فراشة الأمل” ذات نهايات سعيدة، تذكّر بصورة البطل في الأدب الشعبي وأدب الواقعية الاشتراكية اللذين حضرا في ثنايا هذه المجموعة القصصية، ويعوّض السارد هذه النهاية بربطها بالأمل وتوقّع اللّقاء في المستقبل، ممّا يقرّبها من كلّ تلك النهايات الأخرى لبقية القصص.
جدير بالذكر أنّ الكاتب حامد عبد الله حج محمد من قرية تلفيت جنوب مدينة نابلس الفلسطينية، ويحمل شهادة البكالوريوس في اللّغة العربية وآدابها، وعمل عدّة سنوات في التدريس، ويعمل حالياً مدير مدرسة ثانوية، إضافة إلى أنّه ناشط ثقافي ومجتمعيّ، وله بعض المساهمات والمبادرات على هذا الصعيد.